مايو 27, 2024

العدالة في تقديم الخدمات للفقراء

يقوم الأفراد، ورجال الأعمال، والمؤسسات والجمعيات الخيرية، والجهات الحكومية في بلادنا المباركة بجهود كبيرة، وأعمال ومشروعات كثيرة، من أجل تخفيف الفقر، وتحسين أوضاع الفقراء، وتتنوع هذه الجهود وتتوزع جغرافياً ونوعياً لتشمل شريحة كبيرة من هؤلاء المحتاجين.

وهي أعمال مباركة تستحق أن تذكر فتشكر، وهي من أبواب الخير والإحسان التي بها تعظم الحسنات، وتندفع بها المصائب والبليّات، كما قال صلى الله عليه وسلم (صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ)، وحديث (إنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بضُعفائِكُم).
وحديثي هنا ليس عن أبواب الخير الكثيرة التي يمكن العمل عليها في مجال تخفيف الفقر ومساعدة المحتاجين، فذلك باب واسع ومتنوع، والناس في ذلك عاملون، وإنما أريد الحديث هنا عن أهمية السعي (المتوازن) لتقديم تلك الخدمات بشكل يضمن العدالة وحسن التوزيع للمال الخيري على المحتاجين إليه.

ودافعي لذلك ما أراه من تفاوت كبير في المشروعات الموجهة لهذه الشريحة المحتاجة، حيث يعمل بعضها في مجال الضروريات، ويعمل الآخر في مجال التحسينات والكماليات التي لا أولوية لها، رغم وجود المحتاجين حاجة ماسة لما هو أهم.

والذي يحدث من جراء عدم الاتزان هذا، أن يطال بعض الأفراد ألوان من الإحسان التكميلي، ويفتقر آخرون إلى أهم الأساسيات.

وفي حديث مع أحد المعنيين بترميم منازل الفقراء -على سبيل المثال-، كان السؤال الموجه إليه: لماذا يتم تحسين المنزل بهذه الصورة المتكاملة، فيتم إعادة تبليط كامل المنزل، ويتم إعادة دهاناته من الداخل والخارج ، وتغيير كامل إضاءاته وأبوابه حتى يغدو جديداً فعلياً، بينما تبقى بيوت فقراء آخرين لا يحميهم السقف المؤقت من المطر، ولا تعمل لديهم الكهرباء إلا في غرفة أو غرفتين، بل هي لا تعمل إطلاقاً عند آخرين، ويعاني فقراء آخرين من عدم توافر المياه الصالحة للشرب!، فكيف تقدّم خدمة متكاملة لأقوام، ويحرم منها آخرون؟
وكان رد القائم على العمل بأن مهمتنا هي السعي لتوفير الحياة الكريمة اللائقة لهؤلاء المحتاجين، وهو هدف رائع ونبيل، غير أن توفير ذلك للبعض، وإبقاء البعض بحالة مأساوية ليس تصرفاً رشيدا – على الأقل من وجهة نظري- فالجميع من أهل الاحتياج.

وهنا أتساءل:
أليس من الأولى أن يتم تقديم الخدمات على المستوى (المتوسط) لجميع الشريحة المستهدفة، بدلاً من أن يطال بعضهم مستويات (رائعة) من الخدمة، ويبقى آخرون بانتظار توفر الدعم الكافي لتقديم تلك الخدمة الرائعة التي قد تأتي، وقد لا تأتي.

إن من المفترض أن يكون تقديم الخدمات وفق أهمية الخدمة لا اكتمال الخدمات، كأن يتم التأكد من وصول المياه الصالحة للشرب للجميع، ثم حماية منازل جميع الفقراء من المطر والغبار، ثم التأكد من وصول الكهرباء وتوفير الأجهزة الرئيسية للجميع، ثم صلاحية دورات المياه للاستخدام الصحي، وهكذا.

والترتيب المشار إليه غير مقصود بذاته، لكنني عنيت أن يوجد ما يشابه المعايير المتفق عليها والمرتبة وفق الأهمية لتحقيق جودة الحياة، بحيث تحرص الجمعية على الوفاء بكل معيار على حدة لجميع المستفيدين قبل الانتقال للخدمة والمعيار الذي يليه، بما يضمن تحسين المستوى المعيشي، وجودة الحياة بشكل تدريجي ومتوازن لجميع الشريحة المستهدفة.

وفي ظني أن ذلك الترتيب والمعايرة أمر جليل، وهو عمل وفق الأولويات، كما أنه يحقق المصلحة للفقير، وللمتبرع، وللقائم على العمل في الجمعية الخيرية، وللمجتمع برمته، وهو محتاج لنفر من المختصين والباحثين الذين يمكنهم التوصل بعد التشاور والاستماع لأهل الخبرة من الوصول إلى تلك الأولويات.

سائلاً الله تعالى أن يدلنا على الصواب، ويجعلنا موفقين مسددين، وأن يصلح لنا النوايا والعمل.

دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن
ذو القعدة 1445هـ

مايو 07, 2024

قوة الأدوات البسيطة

يتوقع البعض أن إحداث التغيير الشخصي أو المجتمعي مشروط ومرتبط -دوماً- بالإمكانيات الضخمة، والأدوات الكبيرة، بل وربما التكلفة العالية، والعدد الكبير من الناس..  

وأنا -وإن كنت لا أقلل من تأثير تلك الأمور في ما يتعلق بالتغيير- أعتقد بأننا نستخدم هذا الأمروهذه الحجة في الكثير من الأحيان باعتباره (حيلة نفسية) حيث توهمنا بأن الأمور أكبر من قدراتنا، وأنها تحتاج إلى أضعاف مقدراتنا، الأمر الذي يصيبنا بالعجز والإحباط، فنبرر لأنفسنا السلبية، وترك العمل، ونعتاد القبول بأقل النتائج، تحت ذريعة أننا لا نملك ما يكفي لإطلاق التغييرات الكبرى، في أنفسنا وأهلينا ومجتمعاتنا، فننكص، ونتخاذل، وربما تواصينا بذلك، وجعلناه جزءاً من أدبياتنا المتداولة في مجالسنا.

وحين نتكلم عن إصلاح المجتمع وتوجيهه – على سبيل المثال- في أي جانب من الجوانب(الاجتماعية، أو الصحية، أو النفسية، أو التعليمية،أو غيرها ) فيجب أن لا نتوقع أن يكون ذلك محصوراً في المشاريع المكلّفة بالضرورة، بل قد يكون باستغلال وتوظيف أيسر الأشياء وأصغرها وأكثرها اعتياداً.

ولكي أضع مثالاً عملياً، فإنني أشير إلى (خطبة الجمعة) والتي ينبغي التساؤل عن الكيفية الصحيحة  لتفعيلها لتكون أكثر فاعلية، وتأثيراً، وخدمة للمصلين فيما يحتاجون إليه، ودلالتهم على الخير، وبيان أوجهه، حيث يمكنها أن تُّحدث أعظم الأثر في الوعي ونشر المعرفة،  إذ أن في هذا الحديث الأسبوعي المنتظم (خطبة الجمعة) من المزايا ما ليس في غيرها من التقنيات الحديثة، والأساليب العصرية، فهي رغم اعتيادنا عليها تتميز بمزايا: أولها الاستمرارية، ولا يمكن أن تتوقف لتغير التقنيات أو تطور الوسائل، أو غيرها، وهي - ثانياً - مما يجب على الجميع حضوره، والإنصات للخطيب، ويحرم على الجميع الحديث أو العبث أثناء وقت الخطبة، وهي مميزات لا تتوفر لأي وسيلة إعلامية أخرى مهما عظمت وكبرت!، كما أنها من الشعائر التي تلتزم بها أكثر المجتمعات المسلمة، وتهتم بها، حتى وإن قَصَرَت في أركان وشعائر أخرى.

إن التأمل في سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدرك أنه لم تكن لديهم وسائل استثنائية، غير أنهم يبذلون غاية في الوسع في حدود الممكن، وقد قال الله تعالى على لسان نبيه نوح عليه الصلاة والسلام ( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا) وقال (ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغشى أسواق قريش وتجمعاتها لينشر دعوته في العالمين، حسب المتاح والممكن، وبدأ بالنطاق الأيسر والمتاح ( وأنذر عشيرتك الأقربين).

وما أريد أن أصل إليه هنا هو أن المطلوب من كل واحد منا أن يقوم بما يمكنه في خدمة مجتمعه، ودينه، ونفسه، وأن يسعى بالوسائل المتاحة، وبهذا يرفع الحرج والإثم عن نفسه، ويكون حينها من المصلحين (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون).

تأمل في واقعك القريب، وتأمل في قدراتك ومواهبك وإمكانياتك، ثم انطلق نحو تحقيق أهدافك السامية، وتوكل على الله، وإذا حسنت النوايا؛ حلت البركة، والنفع، والتأثير من حيث لا تحتسب.

دمتم بخير ،،،


محمد بن سعد العوشن

الرياض حرسها الله

28 – 10 – 1445  هـ