مارس 31, 2022

الجاهلون بالعمل الخيري

العمل الخيري في هذه البلاد عمل عريق، وموغل في القدم، فهو مرتبط بتاريخ هذه الأرض منذ نزول الوحي، وإشراق نور الرسالة، ومستمر حتى عصرنا هذا، يتنوع ويتشكّل ويتكيف مع الأوضاع المجتمعية، ومستجدات الاحتياجات الإنسانية، وهو – أي العمل الخيري- يحقق نجاحات كبرى، وخدمات واسعة للمحتاجين، وأكثر من يعرفه ويشعر به : الفقير والمريض والمدين والراغب في التعلّم، كما يدركه المنفقون الذين يبذلون أموالهم، أو أوقاتهم في هذه المشروعات المباركة.

وأعداد المستفيدين من تلك المشاريع الخيرية كبير جداً، لايمكن حصره بيسر وسهولة مهما حاولت الجهات معرفة حجم تأثيرها، وعدد مستفيديها.

ولأن العمل الخيري يقوم على تقديم تلك الخدمات لفئام محددة من الناس، فإن فئة أخرى من المجتمع لا تحتاج لتلك الخدمات ولم تتعرض لها، ، فربما توهم الواحد من هؤلاء أنه لا يوجد عمل خيري فعلي، وأن الأمر لا يعدون أن يكون مسميات تطلق، ولوحات تعلّق، وأموال تجمع..

والحقيقة أنه يمكن لنا  أن نتفهّم جهلهم بالعمل الخيري، وبعدهم عنه، وعدم اهتمامهم به، فإن المرء - بطبيعته - يجهل كثيراً من تفاصيل وأمور الحياة التي لم يطّلع عليها، ولم يباشرها، غير أن عدم المعرفة بطبيعة المشروعات المقدّمة، والشرائح المستهدفة، وحجم العمل وتأثيره الكبير، لا يبرر لهم أن يطلقوا الأحكام جزافاً، وينفوا وجود تلك الأعمال، فـ(عدم العلم بالشيء ، ليس علماً بعدمه) كما يقول الأصوليون، وليس من حق الجاهل بالشيء أن يتوقع صورة ذهنية قاصرة في خياله ويبني عليها أحكامه، ثم ينشر تلك التصورات الخاطئة التي تشكلت لديه وكأنه جاء بما لم يأت به الأوائل!

وليس مطلوباً من الجهات الخيرية المنشغلة بالعمل، وبذل الجهد، ومساندة القطاع الحكومي في سدّ احتياجات المحتاجين، ليس مطلوباً منهم ترك أعمالهم تلك، والتفرّغ لأولئك لإشعارهم بتفاصيل ما يصنعون. 

ومن خلال تتبع لعدد من الذين سخروا أقلامهم في الصحافة أو في وسائل التواصل للهجوم على العمل الخيري والنيل منه، وإطلاق التهم عليه جزافاً، وجدت أن أغلبهم لا يعرف أي معلومة عن عدد الجمعيات الخيرية، ولا مجالات عملها المحددة لها، ولا أنشطتها، ولا نطاقها الجغرافي، ولا ميزانياتها، ولا أسلوب إدارتها، ولا حدود صلاحيتها، ولا يعرف شيئاً عن آلية تشكيل مجالس الإدارة، وطبيعة الرقابة على الجهات، وحوكمة أعمالها، ولهذا فإنه يفترض أن الجهات الخيرية قد جمعت مبالغ فلكية من التبرعات الخيرية، ويتسائل: أين ذهبت تلك "المليارات"!، مع أنه  لم يدخل جمعية في حياته، ولم يتبرع لجمعية قط، ولم يمارس عملاً خيرياً، ولم يذهب للمحتاجين ليعرف طبيعة مشكلاتهم، ولم يكلّف نفسه سؤال المستفيدين عن الخدمات المقدمة لهم، فهو يصدر أحكامه من اللاشيء، ويطلق كلامه على عواهنه.

ولهذا لا تتعجب من تسطيح بعضهم للقضايا، حين يوجه اللوم – بكل ثقة- للجمعيات الخيرية لأنها رغم كل تلك السنين و"مليارات الريالات" التي جمعتها، لم تقم بحل مشكلة الفقر والقضاء عليها!، مع أن كل عاقل يدرك أن "الفقر" مشكلة أزلية لا يمكن أن تزول إلى قيام الساعة، وأنها ضخمة وواسعة النطاق، ومتشعبة الأسباب، ولذا عجزت "الدول"  بكل موازناتها الضخمة عن حلها، فكيف بالجمعيات، وفي هذا السياق فإن الميزانية الحكومية الضخمة المرصودة للضمان الاجتماعي في المملكة بلغت قبل 3 سنوات 27 مليار ريال، كما ارتفعت فروع الضمان الاجتماعي من 76 فرعاً إلى 112 فرعاً ، ومع ذلك لا زال الفقر موجوداً وسيظل، لأن الفقر ثقافة وبيئة وسلوك ونمط معيشي معقد، وظروف اقتصادية واجتماعية متداخلة.

والحقيقة المشاهدة أن من يريد فرد عضلاته، والتظاهر بالشجاعة، ومحاولة الصعود على أكتاف الآخرين، فإنه يبحث عن "جدار قصير، آمن العواقب" يمكنه صعوده، والنيل منه، ويكون "القطاع الثالث" -وللأسف- هو ذلك الجدار، إذ ليس له من يوقف المتطاولين عليه عند حدودهم بالقانون والنظام.

وهذا لا يعني بأي حال المطالبة بمنع توجيه الانتقادات للعمل الخيري، أو افتراض العصمة للعاملين فيه، ولا لمؤسساته، غير أن النقد الهادف المبني على الحقائق شيء، والتهم المبنية على الأوهام والظنون، والقيام بممارسة تشويه السمعة المتعمد .. شيء آخر تماما.

فهل يسعى القطاع ممثلاً بمنظماته، أو مجالسه التنسيقية أومركز القطاع الثالث، أو وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية برصد المتجاوزين، وتعريفهم بتجاوزهم، وإيقاف ذلك التجاوز، ومحاسبة غير المنضبطين؟


محمد بن سعد العوشن
النماص

22 شوال 1442هـ



نشر في :

https://www.cof.sa/2021/08/%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%87%d9%84%d9%88%d9%86-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%8a%d8%b1%d9%8a/


مارس 28, 2022

العمل الخيري في مناطق الفراغ

من السمات المشاهدة في قطاعنا الخيري المبارك أن نرى رواداً ومميزين يبحثون عن مناطق الفراغ التي لم يتم استهدافها من قبل، ولم تتزاحم عليها الأقدام، فيتوجهون إليها، ويكونون هم الرواد الأوائل فيها، ويجري الله على أيديهم الكثير من الخير.

وقد تكون مناطق الفراغ تلك: مساحات جغرافية لم يتم التوجه إليها من قبل ولم تحظ بالعناية والاهتمام من الآخرين، كما أنها قد تكون فئات من المجتمع تم إغفالها في خضم توسع العمل وانطلاقته، وقد تكون نوعية محددة من الخدمات والاحتياجات التي لم تتم تلبيتها من أي جهة، أو لم يتم خدمتها بالشكل المفترض.

ومهما توقعنا مرة بعد أخرى أن الخدمات والمشروعات قد شملت الجميع، وأنه لم يترك الأول للآخر شيئاً، إلا أن الواقع يثبت أن توقعاتنا في غير محلّها، ذلك أننا في الحقيقة - حين نفكّر- فإننا نفكّر ونحن مأسورون بالواقع الذي عايشناه، والتجارب التي مررنها بها، ونعمل على محاكاة نجاحات الآخرين، ولا نجاوزها إلى أفق أوسع.

وما إن تنطلق أحد الجهات في مشروع يتناول مجالاً جديداً، أو شريحة جديدة، فتحدث أثراً مختلفاً، ودويّاً واسع النطاق، حتى نتساءل في أنفسنا: كيف غفلنا عن هذا المجال؟، وكيف فاتنا الانتباه إلى هذا الاحتياج رغم أنه يبدو واضحاً مع قربنا واطلاعنا؟

إن اكتشاف الاحتياجات التي لم تتم تلبيتها، والعمل على إشباعها وسدّها، لا يحصل بالسير خلف الآخرين، وتكرار تجاربهم، وإنما يحصل من خلال عمليات تكشيف واسعة النطاق، تشمل الزيارات الميدانية للمناطق والمدن والهجر، والاطلاع على التجارب الدولية المختلفة الثقافات، والالتقاء بالقيادات والخبرات في الميدان للسماع منعهم، ، ومقابلة ذوي الاحتياج والإنصات إلى تفاصيل معاناتهم وما يفتقدونه، وتمسّ حاجتهم إليه، والقراءة والمشاهدة والاستماع لما يحصل في العالم كله، وجلسات العصف الذهني ومجموعات التركيز المكوّنة من أشخاص مختلفي الاهتمامات والتخصصات والميول، ورسم خارطة العمل ومعرفة أماكن تموضع الجهات الأخرى، ومدى تشبّع بعض المجالات واكتفائها.

ويحتاج مساراً كهذا إلى عقليات متّقدة، ومبتكرة، وجريئة، وواعية، يمكنها أن تقود العمل في تلك المناطق، وتخوض غمار التجربة الأولى رغم كل صعوباتها، وضبابيتها، واحتمالات الفشل الكبيرة فيها.

و"العمل في مناطق الفراغ" هو ما يطلق عليه  "استراتيجية المحيط الأزرق" وتعني العمل في المواضع التي تكون فيها المنافسة معدومة أو غير مكتشفة بعد، وهو عكس المحيط الأحمر الذي يشير إلى المواضع المألوفة التي تكون فيها المنافسة شديدة، وتقوم فكرة هذه الاستراتيجية على أنه ليس من الضروري للمنظمة التي تريد تحقيق النجاح في مسيرة حياتها العملية أن تحتل مركزاً تنافسياً قوياً، بل يمكنها أن تحرز النجاح دون منافسة، بأن تتبنى العمل في أسواق جديدة، أو تقوم بطرح منتجات بديلة لا تجذب المنافس إليها، وأن "أفضل طريقة للتغلب على المنافسين هي التوقف عن منافستهم".

ما أجمل أن تلتفت كل منظمة إلى موضع تمركزها، وتراجع مسيرتها، وتسعى لفتح مجالات خيرية جديدة، من خلال التوقف عن دعم الخدمات التي يتنافس عليها كل المانحين رغم أن المستفيدين لم يعودوا يشعرون بقيمتها، وتقليل الدعم الموجه للمشروعات التي تكلف كثيرًا بينما لا تحقق أثراً يوازي ما يبذل فيها، وزيادة الدعم المخصص للخدمات الحالية التي لازالت الحاجة لها ماسة،  وتخصيص موارد كافية للمبادرات المبتكرة التي يمكن تقديمها والتي لا يهتم بها الآخرون، وهو الأمر الذي من شأنه أن  يحدث قفزة كبرى في مجال الخدمات المقدمة للمجتمع، وتحقيق طفرة في النتائج، ومستويات غير مسبوقة من الربحية -وهي حصول الأثر، والوصول إلى حلول غير تقليدية للمشكلات الأكثر انتشاراً.

فهل يمكنك المساهمة في مراجعة توجّه منظمتك مجدداً، والتفكير من خلال استراتيجية "المحيط الأزرق"؟

دمتم بخير.

محمد بن سعد العوشن
النماص

  21 شوال 1442


مارس 28, 2022

أوقاف عينية غير اعتيادية

تتخطى قيمة الأوقاف العامة في المملكة حاجز الــ 50 مليار ريال سعودي، وهو رقم كبير، يبعث على السرور، و غالب هذه الأوقاف عقارات وأراض ومزارع مخصصة للاستثمار، أو مساجد وجوامع بملحقاتها.

ولا شك أن مجال الوقف أوسع بكثير من الممارسات والتصورات الحالية، والتي نظراً لطبيعتها فإنها تحتاج إلى رأس مال كبير ليكون الوقف نافعاً، وهو ما لا يستطيع عليه إلا القلة!

لذا يأتي السؤال الملح : كيف لي أن أضع وقفاً غير تقليدي؟ وكيف يمكن لآلاف الريالات أن تصنع أثراً في المجتمع من خلال مشروع وقفي؟ وماهي خيارات الأوقاف العينية غير الاعتيادية؟

وإجابة على هذا السؤال فقد حرصت في أكثر من مرة، أن أحاول توسيع نطاق الوقف وخياراته، برصد الكثير من الأفكار والمقترحات والصور لتلك الأوقاف العينية غير النقدية، فبدأت بكتابة ما يزيد عن 40 فكرة أولى، ثم تداولتها مع عدد من الزملاء، فزودوني – مشكورين- بأفكار أخرى متنوعة ورائعة، حتى بلغت 75 فكرة.

وهي مسودة أولى لا زال بالإمكان توسيعها، لتبلغ عشرة أضعاف هذا الرقم، وفقاً لكل تخصص ومجال، وهي بين أيديكم لتكون منطلقاً للإلهام فحسب، وأحسب أن هذه التدوينة بذاتها (وقف) أسأل الله أن يجعلها مباركة، فإلى بعض الأفكار العملية للأوقاف العينية:

- حدائق عامة.
- ممرات صحية للمشي.
- رصيف مشي محيط بمباني المدارس الحكومية
- مركز خدمات لفئة متخصصة ( دعم فني للأئمة والخطباء مثلاً )
- باص للحلقات والدور أو الجهات التعليمية غير الربحية.
- سيارات لنقل المرضى الفقراء من المستشفيات وإليها.
- دور ضيافة للمرضى الفقراء بجوار المستشفيات التي يحتاجون إلى البقاء بجوارها أياماً.
- أسرة، وعربات، وتجهيزات، واسطوانات أوكسجين وأجهزة غسيل الكلى للمرضى.
- خزانات مياه حلوة للتعبئة.
- برادات مياه على الطرقات وبجوار المساجد.
- محطات تحلية أو تنقية للمياه.
- محطات توزيع مياه الشرب على البيوت.
- مكتبة ومرسم للأطفال .
- مكتبة عامة في الحي.
- استراحة ترفيهية لطلاب المنح وحلقات التحفيظ ومكاتب الدعوة والجمعيات واللجان.
- دورات مياه لعابري السبيل (يتم إدراجها بخرائط جوجل لتسهيل الوصول إليها)
- قاعات تدريب شبه مجانية .
- ديوانية الكبار(المتقاعدين).
- دار للمسنين.
- نادي ثقافي وترفيهي للفتيات.
- دار ومعهد قرآني نسائي .
- مركز ترفيه لذوي الإعاقات.
- مصلى نموذجي مؤقت مع دورات المياه (قابل للنقل)
- ورشة ترميم وإصلاح الأثاث والأجهزة للفقراء.
- ورشة صيانة مكيفات وبرادات وثلاجات المساجد.
- معمل لترميم المصاحف.
- فرامات كبرى للأوراق المحترمة.
- مركز علاج المتعاطين.
- معدات حفر ودفن للموتى.
- مسارات عزاء مظللة بالمقابر.
- مغاسل للأيدي، وتجهيزات لتعبئة المياه في المقابر.
- منازل جاهزة للفقراء.
- مطبخ خيري.
- مخبز خيري.
- سلوى الحزين (مركز للتواصل مع ذوي المتوفين).
- تدوير المخلفات بما يحافظ على البيئة.
- دور للضيافة.
- محفظة إقراضية لطلاب العلم في منطقة محددة أو مجال محدد.
- محفظة إقراضية للتزويج .
- محفظة إقراضية استهلاكية.
- مدرسة تعليم قيمية.
- روضة أطفال قيمية.
- مركز دراسات وبحوث.
- مركز تنموي اجتماعي.
- ابار مياه (حفر، تحسين، تخزين)
- مركز تأهيل للأسر المنتجة.
- معرض لبيع إنتاجات الأسر المنتجة.
- وقف مساكن لطلاب العلم .
- وقف سكن الوافد (سواء كان  طالب علم أو داعية او غيره ممن لا يجد مأوى)
- وقف سكن المنقطعين الذين لا أهل لهم ولا بيت ولا مال.
- تأسيس أسواق تخصصية (مثل سوق للسمك)
- ورشة لقوارب الصيد للمحتاجين.
- أجهزة حاسوبية للمحتاجين و طلاب المنح.
- تجهيزات عيادات متنقلة (على سبيل المثال عيادة لأمرا ض العيون في أحد المناطق)
- سيرفر لاستضافة المواقع النافعة
- شراء حقوق بعض التطبيقات النافعة غير المجانية وإتاحتها مجاناً.
- وقف ترجمة بعض الكتب النافعة للغات الحية .
- إعداد محتوى نافع لبعض التطبيقات الشهيرة ( مثال : تعليم اللغة العربية في دولينقو)
- حضانات الأطفال الخدج.
- شراء حقوق بعض الأدوية وبذلها لمن يريد تصنيعها من المسلمين (تكلفتها عالية)
- إتاحة كتب ثقافية نافعة في المطارات ومواضع الانتظار المختلفة.
- قاعة زواجات ومناسبات.
- مستودعات للجمعيات الخيرية
- مصنع لتحويل بقايا الطعام إلى أعلاف
- سد مياه
- محطات توليد كهرباء بالطاقة الشمسية
- ابتكار وتصميم التقنيات الزراعية
- بنك للبذور.
- مشتل للأشجار المتعدية النفع.
- لوحات اعلانية خيرية
- مصاحف مسموعة أو مرئية بدون حقوق .
- مخططات هندسية نموذجية لمساجد ذات فئات متعددة، ولمنازل الفقراء.
- حضانة أطفال بجوار الحرمين الشريفين.
- عيادة مجانية بجوار الحرمين الشريفين.
- مناهج لتعليم العربية لغير الناطقين بها.

وبعد هذه الجولة التي أتمنى أن تكون مفيدة وملهمة، فإنه يغلب على ظني أنك حين كنت تقرأ هذه المجموعة الأولى من الأفكار الوقفية العينية قد سرحت، وجال بك الفكر بعيداً ، فانقدحت في ذهنك جملة من الأفكار المتعددة، والصور الأخرى للوقف..

فمن الجميل أن تكتبها، وتنشرها، وتتحدث بها، وأكون شاكراً لو وافيتني بها مشكوراً لكي يكتمل البناء، ونكون جميعاً شركاء في الأجر، ومساهمون بالوقف بشكل أو بآخر.

دمتم بخير،،،

محمد بن سعد العوشن

 تم النشر في صحيفة تواصل هــنــا

1443 هـ


مارس 23, 2022

السلال الغذائية (الإلكترونية)

 تقوم الجمعيات الخيرية مشكورة بجهد كبير يستهدف تزويد المحتاجين بالمواد الغذائية الرئيسية، ويتم ذلك من خلال تجهيز حزمة من المواد المتنوعة تحت مسمى «السلة الغذائية»، ويتم وضعها في عبوات مناسبة، أو أكياس بلاستيكية، وإيصالها للمحتاجين في منازلهم، أو دعوة المحتاجين لاستلامها من مقر الجمعية أو مستودعاتها.

ولا شك أن ذلك العمل بوضعه الراهن يقدم خدمة للفقراء، ويلبي جزءًا من احتياجاتهم المهمة، ويسدّ ثغرة من الثغرات.

وسبق لي – خلال السنوات الماضية – الاطلاع على عدد غير قليل من هذه السلال الغذائية، وبدت لي مجموعة من الملاحظات التي يمكن تلافيها، بهدف تعظيم الأثر، وتحقيق النفع.

ولعل التفاوت في محتويات السلال وفقًا لاجتهاد القائمين على المشروع، من حيث الأنواع، والكميات يعدّ ملاحظة تستوجب التوقف خصوصًا مع تفاوت أعداد الأسر وأعمارهم وأجناسهم.

كما أن توحيد محتويات السلة، مع وجود الاختلاف الطبيعي في الذائقة والمزاج لدى الأسر، يجعل بعض الأصناف فوق حاجتهم أو دونها، وقد يتكدس لدى هذا الأسرة صنف غير مفضّل، بينما يتكدس صنف آخر لدى أسرة أخرى، فضلًا عن توقيت نفاذ بعض الأصناف التي يكثر استخدامها لديهم، دون البعض.

وفي مسعى لحل هذا الإشكال، قامت جمعيات أخرى بتوزيع بطاقات شراء – مالية – على تلك الأسر المحتاجة، بحيث يمكنها أن تشتري من متاجر محددة ما تشاء من المشتريات باستخدام هذه البطاقة التي يتم شحنها بمبلغ مالي في كل مرة.

ورغم أن هذه الطريقة قد أدت إلى حل مشكلة تكدس بعض الأصناف، ونفاد أخرى، وألا تقتني الأسرة أي صنف سوى ما تحتاج إليه، إلا أن ذلك الحل قد أورث مشكلات أخرى، تتمثل في شراء الأطعمة غير ذات الأولوية، وصرف تلك المبالغ على أنواع من كماليات الطعام وغيره مما يكون ذا اولوية منخفضة أو بلا أولوية أصلًا، وترك شراء الأصناف التي تمس لها الحاجة، خصوصًا أنه من المعروف لدى العاملين في هذا القطاع أن قدرة الكثير من الأسر المحتاجة على تحديد أولوياتها بشكل صحيح أمر غير شائع، فضلًا عن كون قرار الشراء في هذه الحالة موكول إلى غير الراشدين.

ومن هنا جاءت هذه الفكرة التي أزعم انها ستحقق الكثير من الفوائد، وتتلافى جملة من السلبيات، وهي فكرة أولية تحتاج إلى تطوير وتحسين ومزيد من الإنضاج.

وهي تجمع بين الفكرتين المعمول بهما فيما سبق، فهي تعتمد على بطاقات الشراء مطبوعة كانت أم الكترونية والتي يتم منحها للمحتاج، ثم يتم شحنها في كل مرة ترغب فيها الجمعية بذلك، وفقًا لتقديراتها و توفر السيولة المالية لديها، لكن هذ البطاقة تحدد الشراء من (ركن محدد) في المتجر، لا يمكن تجاوزه إلى غيره، ويتم تنويع أصناف هذا الركن بحيث يشمل أولويات الطعام الرئيسة، وشيء من احتياجات الأطفال الرضّع، والاحتياجات التي لا غنى عنها للمرأة.

كما تتم زيادة أو تغيير تلك الأصناف في ذلك الركن بين حين وآخر وفقًا لطبيعة واحتياجات الفئة المستهدفة بالسلة.

وهذا الحل يحقق عددًا من المكاسب والضمانات، ومنها :

- أن يأخذ الفقير الأصناف التي يحتاج إليها، وقد نفدت عنده.

- أن يأخذ هذه الأصناف في الوقت الذي يحتاجه، وليس في توقيت محدد يلزم به.

- مراعاة الفروق الفردية بين الأسر، والتي هي ناتجة عن العادات السائدة، أو عدد الأفراد، أو أعمارهم، أو وضعهم الصحي.

- إمكانية احتفاظ الفقير بالرصيد المعطى له ونقله من شهر إلى آخر، لمراعاة الأشهر الأكثر حاجة لديه، دون الحاجة إلى استهلاك كامل الكميات المعطاة له أو الإسراف فيها لكثرتها.

- أن قائمة الأصناف، بل وأنواعها، وأحجام عبواتها، تكون أكثر مما يتم وضعه عادة في السلال بكثير، ويمكن إضافة الفواكه والخضار واللحوم والبيض والخبز والحبوب والتمور وغيرها.

- القدرة على تلبية المزيد من احتياجات الأسر من الأصناف، وإمكانية التجاوب السريع مع الأسر حين يتكاثر طلبهم لصنف ذا أولوية، بإضافته إلى الركن المذكور بشكل سريع.

- القدرة على زيادة مخصص السلة لبعض الأسر أو تقليله وفقًا للتغير الحاصل في أعداد الأسرة.

ويمكن أن يكون هذا الركن المشار إليه متوفرًا بالتعاون مع سلاسل المتاجر القريبة من الشريحة المستهدفة بالمشروع، كما يمكن أن يكون ذلك من خلال متجر الكتروني تابع لأحد المحلات القريبة، أو تابع للجمعية ذاتها، بحيث يقوم بتوصيل تلك الأصناف إلى الأسر وفقًا لتفضيلاتهم في حدود الرصيد المتبقي لهم، كما يمكن للجمعية أن تقوم بوضع هذا الركن في مقرها، بحيث يأتي الفقير إلى مقر الجمعية أو المستودع فيجمع من الأصناف ما يريد وفقًا للمبلغ المتوفر في رصيده.

إنني أزعم أن هذا الحل سيغير خط الإنتاج للسلال الغذائية بشكل كبير، وسيعطي الجمعية – من خلال الأتمتة وإدارة المعلومات بشكل كفء- تغذية راجعة حديثة ومكتملة حول سياسات الإنفاق الغذائي التي تتبعها الأسر الواقعة تحت مسئوليتها، وسيطور من العمل بحيث يكشف الأصناف الأكثر طلبًا مما يتيح للجمعية بالشراكة مع باقي الجمعيات المجاورة أن يعملوا مع الموردين الرئيسيين بصورة مختلفة، ويستفيدوا من سلاسل الإمداد بالشراء الجماعي، أو الاشتراك الجماعي في المتاجر الإلكترونية والحصول على العديد من المزايا والتسهيلات للجمعية ومستفيديها.

وأدرك – وأنا في نهاية المقال – أن هذا الحل له استثناءات، فلن يكون مناسبًا لكل الحالات، وبكل الأماكن، والأوقات، حيث توجد أسر لا يمكنها المجيء للمتاجر، ولا تتمكن من استخدام التقنية، أو يكون الظرف العام يتطلب أسلوبًا آخر في تقديم الخدمة، حيث سيكون العمل فيها بنظام السلال الغذائية المعتاد هو الأنسب، لكنني أتحدث في مقالي عن الكثير من الجمعيات والكثير من المحتاجين الذين يمكن تطبيق الحل معهم بكل كفاءة ويسر، وهم السواد الأعظم.

أسأل الله تعالى أن يغني أولئك المحتاجين من فضله وكرمه وجوده، وأن يبارك في جهود العاملين على تلبية احتياجات الفقراء، والمتبرعين لهم، ولا أنسى أن أذكّر القائمين على خدمة هذه الشريحة المهمة، بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر) متفق عليه.

متمنيا أن يتم نقد الفكرة وتطويرها وتحسينها، وصولًا إلى تطبيقها على أرض الواقع، بما يحقق الخدمة للمحتاج والفقير بأيسر السبل وأكثرها نفعًا.

وإلى ذلك الحين، دمتم بخير ،،،

شـــــعبان 1443 هـ

الرياض حرسها الله


محمد بن سعد العوشن

مارس 08, 2022

ما الذي يمنعك من الكتابة و التدوين؟

لا أشك أن لدى كثيرين تجارب، وقصص، وقناعات وأفكار ومقترحات، ورؤية للعديد من القضايا والمجالات، وتراهم في مجالسهم، وحين تتاح الفرصة المناسبة يتحدثون عنها بوصفها خبرات اكتسبوها ومعلومات تحصلوا عليها وأضافوا إليها، ومهارات تمكّنوا من إتقانها، فتعجب بذلك، وتسرّ له، ومع كل يوم إضافي في حياتهم يزيد رسوخ تلك المعلومات والخبرات والمهارات، وتنضج، وتكون أكثر موثوقية.

غير أن كل واحد من هؤلاء يغادر الدنيا وهو مملوء بتلك المعارف والخبرات والمهارات الناضجة والمجرّبة، والمتميزة.. 

يغادرون دون أن يتركوا أثراً باقياً، ودون أن يضعوا إرثاً معرفياً يخدم الناس من بعدهم..

يغادرون والناس في أمس الحاجة لذلك الثراء الذي أنضجته التجربة، وكثرة الممارسة ..

يغادرون ليبدأ الرواد الجدد في التعلم من الصفر، وخوض التجارب مرة أخرى، مع أنه كان بالإمكان أن يبدأوا من حيث انتهى أولئك.

يغادرون دون أي يخطّوا تجربتهم الشخصية والمهنية والتعليمية والتربوية والتخصصية..

وانما حمل أولئك على عدم تدوين خبراتهم زهدهم فيها، وعدم إدراكهم لأهميتها البالغة للآخرين، أو تسويفهم لذلك التقييد، ظانين أنه سيأتي اليوم المناسب للتفرغ لذلك وكتابته..

فيؤجلون ثم يؤجلون حتى يداهمهم القدر المكتوب، فيغادرون دون أن يحققوا هذه الأمنية التي طالما كانوا يؤملون أن يقدموها، يرحلون بصمت، وتنساهم الأجيال سراعاً، ويتوقف نهر من الحسنات التي كان بإمكانهم أن ينالوها لو قيّدوا تجربتهم وأبقوها للأجيال.

اللهم اجعلنا مباركين، وفي الخير مؤثرين، واجعل لنا لسان صدق في الآخرين .

دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن