مايو 07, 2020

فليغرسها | أول مقطع في قناتي على اليوتوب





ويمكنك قراءة تدوينة بهذا الشأن من هنا 

مايو 07, 2020

اكتشف نفسك بنفسك (3)

تقرأ في سيَّر بعض من حققوا نجاحات وتميزاً في مجالات معينة، فتجد أن الواحد منهم يكتب في سيرته الذاتية أنَّ الذي اكتشفه فلان، ممن عَمِلَ معه أو عاش معه، أو درّسه، أو صاحبه، فتلمّس عنده موهبة معينة، فأشاد بها، وأثنى عليها، فلما سمع الناس يشيدون بهذه الموهبة أكثر من مرة، ومارسها عملياً، أدرك حقيقة هذه الموهبة، وربما نمَّاها ذلك المكتشف، أو دلَّه على كيفية تنميتها، ففتح له طريق النجاح والتميز.
وهذه الحالة تمر على عدد من الناس، لكنها ليست الحالة السائدة!

ذلك أن كثيراً من الناس يولدون بمواهب فطرية، وهبهم الله إيَّاها، ويعيشون كل حياتهم دون أن يكتشفوها، ودون أن يستثمروها، ويموتون وهي لا زالت مدفونة، لم يعلم بها أحد، مع أنه كان بإمكان تلك الموهبة أن تصنع للبشرية الشيء الكثير، وكان بإمكانها أن تصنع لأصحابها تأثيرًا وسمعة وأموالًا ومكانة، لكنهم – نظراً لأنَّهم لم يبالوا بها- ذهبت أعمارهم دون أن يستفيدوا منها.

لذا فمن غير المناسب - أيُّها القارئ- أن ينتظر الواحد منَّا أن يكتشفه أحد ما، ويجلس في وضع الانتظار تحت رحمة المكتشفين، فإن اكتشفوه فبها ونعمت، وإن لم يكتشفوه بقي كما هو!

هذا الأسلوب لا يصلح إطلاقًا، فالمفترض بمريد النجاح أن يبذل الجهد، وغاية الوسع في معرفة نقاط التميز، ونقاط القوة، ولا بد أن تدرك أنَّ هذا الواجب واجب فردي وشخصي عليك أنت، وليس مناطًا بغيرك، فإن بذل غيرك جهدًا لخدمتك فهذا فنور على نور، لكن المهمة مهمتك، والواجب واجبك، فهي قدراتك، وطاقاتك، وحياتك، ونجاحك، وهذا هو تأثيرك.

وهي نعم وهبك الله إيَّاها، فلا يليق أن تجعلها تحت رحمة الناس الذين ربما اكتشفوك حيناً، وأهملوك أحياناً. 

نبِّش، وابحث، واسأل، وجرّب، ومارس، وستكتشف بذلك وتعرف مهاراتك، أما الجالس – على وضع الانتظار - لا يحاول شيئاً، فمن الطبيعي أنَّه لن يكتشف شيئًا!

لكن الذين يخوضون تجارب مختلفة، ويجرّبون مجالات متعددة، ويختبرون أنفسهم وقدراتهم، سيكتشفون بعد تجربة أولى وثانية وثالثة ورابعة أنَّ هناك تجربة قد أبدعوا فيها وحققوا فيها تميزًا مختلفًا، ثم حين يعيدون هذه التجربة كل مرّة يحققون نفس التميز..
هنا يمسك الواحد منهم بطرف خيط الموهبة والنجاح، ويمكنه بعد ذلك أن يسأل ويجرّب، ويسأل المختصين، ثم يكتشف فعلًا أنَّ هذا التميز موجود، ثم يبدأ في خط منتظم ومرتب لتنمية هذه الموهبة، ونقلها من كونها مجرد موهبة ربانية أساسية أعطاك الله إيَّاها، إلى موهبة تم صقلها من خلال التجربة والتعلّم، والمعايير والمقاييس الخاصة بهذه الموهبة.

أتمنى أن تثمر هذه التدوينة التفات كل واحد منَّا إلى نفسه باحثًا عن نقاط القوة والتميز والمواهب الموجودة لديه ليكتشفها بنفسه، بالاستعانة بمن يعرفه، ثم ينميها حتى يرى منها بإذن الله ثمارًا مباركة.

محمد بن سعد العوشن

التدوينة التالية | .......................
(سيتم تفعيل الرابط حين ينشر )

مايو 01, 2020

التدوين الباقي (2)

 كنت ذات مرّة أبحث عن مقالات تتناول فنون "التدوين"، فوجدت مقالاً جميلاً جدًّا لـ عبد الغني مزوز -وأظنه من المغرب-  تحدّث فيه عن كون التدوين قد تأثّر تأثيراً سلبياً بالغاً من جراء طغيان التدوين المصغّر!.

وحين نتأمل الواقع الفعلي للكثير من المؤثرين والفاعلين والناشطين الذين يبذلون جهوداً كبيرة في كتابة التغريدات على تويتر، أو ينشرون الصور ويعلقون عليها في إنستجرام، أو يقومون بالتعليق الصوتي أو المرئي عبر السناب، أو من خلال برنامج (واتس آب) و(الرسائل الجماعية) و(المجموعات) التي يكتب فيها المرء كلامًا جميلًا، ويبذل ما في وسعه في تنسيقه وتجويده، ثم يبعثه للناس من خلال هذه البرامج ...
حيث نتأمل ذلك كله، نجد أنَّ هذه التدوينات الصغيرة جعلت الواحد منا يتوقع أنَّه ما دام قد كتب (نصاً) مناسبا، وبعث به لخمسين أو مائة ممن لديه، وقرأها ألف أو ألفان من متابعيه في تويتر، بات يتوقع  أنَّه قَّدم المطلوب منه، وأنه قد قام بالتدوين فعلاً!، مع أنَّ عدداً غير قليل من حسابات تويتر يتم إغلاقها كل مرّة،  إمَّا بفعل فاعل، أو باختراق تلك الحسابات، أو إغلاقها من شركة تويتر ذاتها، وأحياناً ينسى المرء كلمة المرور الخاصة به، وفي كل هذه الحالات تضيع تلك المواد، أو توشك على الضياع، فضلاً عن كونها – دوماً - تغريدات ونصوص قصيرة ومجزأة، وليست موضوعًا مكتملًا يُمكن الاتكاء عليه للحصول على معرفة حقيقة حول أي قضية من القضايا التي يتم تناولها.

فتجد أحدهم يعمل في منظمة مميزة تملك نشاطاً مميزاً يستحق الذكر والإشادة، وتجارب موفقة،  فيكتب شيئاً من سيرتها - إن كتب –بنصوص قصيرة ومفرَّقة خلال بضعه أشهر.. ثم تندثر كل تلك الكتابات في وسط الكم الكبير من التغريدات والحسابات..

وحين يقام "حدث" مهم، وتنطلق "فعالية" ذات نفع كبير يقدّم فيها جملة من البحوث و المحاضرات وأوراق العمل المميزة، فإنك بعد انقضاء الحدث بأشهر لا تكاد تجد معلومات كافية، وتكون المادة الأساسية التي تم التعليق عليها في شبكات التواصل غير متاحة في الغالب، ذلك أن الكاتب قد تحدث عنها في بضع تغريدات، في وسم (هاشتاق) نشط آنذاك، غير أن تلك الوسوم تموت، كما أن التغريدات تبتعد عن عين القارئ، بوجود الجديد الكثير، مما يصعّب الرجوع إليها لاحقًا، بل إنك  لو حصلت عليها كاملة  كما هو متاح في تويتر، فسوف تجد معاناة كبيرة في جمع التغريدات المكتوبة في موضوع واحد، فضلاً عن الجهد الكبير الذي يتطلبه التنسيق والربط والتقديم والتأخير، وإكمال النص بالكثير من المواد.

ما الذي أريد أن أخلص إليه؟

أريد أن أخلص إلى أنّ شبكات التواصل المختلفة -على تنوعها- يجب ألَّا تكون بديلة عن التدوين المكتوب للعمل أيًّا كان، فإن كان عندك ملخص أو وقفات مع كتاب قرأته، فلا تنثرها على هيئة تغريدات فحسب، ولكن اجعل الخلاصة في صفحة، أو صفحتين، أو ثلاث، واجعل لها عنواناً واضحاً، وانشرها بمختلف الوسائل، وأتحها للتحميل، وانشرها في مدونة خاصة بك، واحفظ عندك نسخة مكتملة منها في الوقت ذاته.

فإذا قمت بهذا التدوين الحقيقي المطوّل فقد قمت بالخطوة المهمة، ويمكنك حينها أن تقوم بتحويل هذه التدوينة أو خلاصتها إلى مجموعة من التغريدات، حيث سيكون ذلك أدعى للانتشار الفوري لها، وستكون التغريدات حينها وسيلة لتسويق الأصل، والذي هو التدوين المطول، والكتابة التفصيلية المتكاملة.

مع أنك حين تقرر أن تكتب تدوينة غير قصيرة عن الموضوع، فسوف تشرح للقارئ الحدث الذي تعلق عليه، وتشير لتاريخ وقوعه، وتبين موقفك منه، فتكون تلك المادة المكتوبة واضحة لمعاصري الحديث، ولمن لم يعاصره، فكل قارئ لتدوينتك يمكنه بيسر أن يستفيد منها بشكل كبير، بل قد تكون تلك المقالة أو التدوينة مرجعاً موثوقاً لذلك الحدث الذي قل الكاتبون عنه.

ومن هنا فإنني أبث نصيحة، أوجهها لجميع الإخوة والأخوات العاملين في الجهات المختلفة التي تحقق إنجازات تستحق الاطلاع، وإلى جميع  الإخوة والأخوات الذين يمتلكون رأياً خاصاً في التعليق على أحداث معينة؛ أو تجربة قاموا بها فنجحت أو فشلت، أنصحهم جميعاً  ألَّا يكتفوا بالتغريدات القصيرة، بل يكتبوا رأيهم ناضجًا كاملًا مبررًا مفسرًا معلقًا به على الحدث، بحيث تكون تلك المادة المكتوبة صالحة لأن تُقرأ في كل زمان، وفي كل مكان، وسيجدون – بكل تأكيد - أنَّ هذه المادة مع مادة أخرى، وثالثة ورابعة يُمكن جمعها في كُتيِّب أو كتاب سواءً كان مطبوعًا أو إلكترونيًّا متاحًا للناس ليقرؤوه، ذلك أن التدوين المطوّل، وأعني به الكتابة المتكاملة لون مختلف، وباقٍ، يؤدي إلى معرفة متكاملة، صالحة للاستفادة منها في أوقات لاحقة.

أما الاقتصار على التغريدات والكتابات والتدوينات المصغرة القصيرة فخيار غير مناسب؛ ذلك أن مدة صلاحيتها قصيرة جدًّا وسوف تذهب مع أي ريح عاصف، وستزول مع انصراف الناس عن أحد تلك البرامج. بين يدينا مثال واضح جلي، وهو (منتديات النقاش على الانترنت)، والتي كانت سوقاً رائجة للنقاشات، وكتابة الآراء، والمعلومات والخبرات، .. فإذا بحثت اليوم عن ذلك الكم الكبير، وجدته قد ولى وذهب!

وباستثناء الذين كانوا يجمعون كلامهم في ملفات خاصة بهم في أجهزتهم الشخصية قبل نشرها، فإن البقية قد وجدوا أنَّ كل جهدهم المبذول ذهب هباءً منثورًا.

حذاري من الاعتماد على شبكات التواصل في نقل رأيك ووجهات نظرك وتقييماتك ومنتجاتك، وخبراتك، وعلمك، ولكن اجعلها وسيطاً من الوسائط، واجعل الأصل (مادة ناضجة متكاملة) مكتوبة لديك.

تمنياتي لكم بوقت سعيد تقضونه في كتاباتكم وتقييداتكم ومرئياتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد بن سعد العوشن

العنوان التالي | اكتشف نفسك بنفسك