أبريل 29, 2020

الكتاب الذي لم يكتمل بعد! (1)

لدي كتاب في طور الإنضاج، عنوانه (انطلاقة)، غير أنني رغبت أن أسلك معه مسلكاً جديداً!
وهو أن أنشر - وبشكل منتظم- كل جزء يتم الانتهاء منه فوراً وعدم الانتظار لحين اكتمال الكتاب.
حيث يحقق هذا الأسلوب ثلاثة أمورجميلة:
أولها ، تلقي تغذية راجعة من القراء تعين على المزيد من الإتقان والتحسين. وثانيها، تحقيق الفائدة للقراء فوراً دون تأخير. وثالثها، أن المرء لا يدري من يكون أجله، فالمبادرة بالنشر تحقق الأجر حالاً دون تأجيل، وهو ما يتوافق مع الكتاب الشهير(مت فارغاً) الذي يوصي بإنهاء الأمور المعلقة. ورابعها، أنه يدفعني للتعجيل بالكتاب وعدم التسويف، فإلى الافتتاحية (المهمة) وتتلوها التفاصيل.

الافتتاحية 

هذا الكتاب الذي بين يديك هو أحد ثمار المبادرة التي بدأت بها في تاريخ  16 / 2 / 1439 هـ على برنامج "تيلجرام"، حيث أطلقت  "قناة انطلاقة"، بهدف الحديث عن جوانب مهمة وعملية في مجال تطوير الذات والتنمية البشرية، وبدأتها بمادة صوتية واحدة فثانية، ثم تتابع القطر، وتجاوزت تلك المواد 140 مادة، التزمت فيها بالإيجاز، والوضوح والبساطة، وحظيت القناة بعدد كبير من المتابعين والمستمعين -بتوفيق الله-.

ولا أذيع سراً إذا قلت لك بأنني كنت قد جلست سلسلة جلسات مع الكوتش المتخصص والمميز ( م. عبدالرحمن الأحيدب) لتحديد مجال العطاء الذي سأتخصص فيه، ومجال التركيز الذي يفترض أن أتخصص فيه للسنوات الخمس القادمة، وذلك من خلال الاستفادة من عدد من المعطيات الأولية، المبنية على عدد غير قليل من المدخلات؛ حيث توصلنا سوياً إلى أن مجال "تطوير الذات" هو أحد الجوانب  الأكثر قربًا من اهتماماتي وشغفي وقراءاتي وكتاباتي؛ وأن التركيز عليه سيمكنني من إحداث تأثير إيجابي كبير، وكانت تلك اللقاءات حافزاً قوياً لي نحو إطلاق القناة.

وبكل صراحة فإنني أعترف بأنني لم أخطط بشكل تفصيلي للقناة، ولم أحدد بدقة أين ستقودني تلك الخطوات الأولى، لكنَّني قررت حينها أن هذه الخطوة صحيحة، وربما يتضح الطريق جلياً بعد اتخاذها، خصوصاً مع قناعتي بأسلوب (أطلق ثمّ صوّب) والذي يقتضي أن تبدأ ثم تقوم بالتعديل والتحسين من جراء التغذية الراجعة، مرة بعد أخرى.

وتدحرجت كرة الثلج شيئاً فشيئاً حتى تحقق للقناة الوصول إلى الكثيرين، ووصلتني انطباعات إيجابية كثيرة عنها ومدى استفادة الناس منها، كما وصلتني وصايا عديدة بأهمية المواصلة والاستمرار .

ولأنني على قناعة تامة بأن المشروعات الناجحة "ولادة"، فإنني قد بدأت في فتح آفاق جديدة لهذه المبادرة، فمن جهة: قمت بوضع جملة من هذه المواد الصوتية على منصة (الساوند كلاود)، كما تم التعامل بعض تلك الحلقات المواد فنياً لإتاحتها على اليوتيوب لمن لا يستخدم التيلجرام، وها هو المشروع يأخذ بعداً آخر، فيتم تحويل المواد الصوتية إلى مواد مكتوبة، مع مراجعتها وتنقيحها لتكون بأسلوب مناسب للقراءة..

وأضع اليوم بين يديك هذه المادة باعتبارها جرعة يسيرة، ووجبة خفيفة يمكنك الاستفادة منها لتطوير ذاتك، ويمكنك أن تجعل منها مادة إثراء، ومفتاحاً لنقاشات مثمرة في لقاءاتك الأسرية، والاجتماعية، بل والوظيفية، بحيث تثري هذه المادة بتجاربك ومعلوماتك الإضافية.

تمنياتي أن تقضي مع هذا الكتاب وقتاً ماتعاً ومفيداً، وأنا أكون خفيف الظل عليك، ولي في عين الرضا منك ما يستر التقصير مني.
والحمد لله أولًا وآخرًا.

العنوان التالي | التدوين الباقي  

محمد بن سعد العوشن

أبريل 07, 2020

سلاسل الإمداد والعمل الخيري


 في عام 2016 م انطلق مشروع رائد تحت اسم «مشروع زكاة الفطر الموحد بالمنطقة الشرقية»، شارك فيه أكثر من عشرين جمعية خيرية في سائر أنحاء المنطقة، وأشرف عليه سمو أمير المنطقة، وكانت نتائج هذا المشروع مبهرة فعلاً..

فقد استطاعت الجمعيات الخيرية من خلاله التنسيق والترتيب فيما بينها، وتوزيع الزكاة بشكل يفي باحتياجات مستفيديها، كما تم الاتفاق فيه مع سلسلة من المتاجرالمنتشرة في أنحاء المنطقة لتأمين (زكاة الفطر) بسعر منافس بسبب الكمية الضخمة المشتراة من قبل المشروع، كما أتاحت تلك المتاجر لكافة المستفيدين أن ياخذوا احتياجهم من الأرز في الوقت الذي يريدونه دون إلزامهم بأخذه مرة واحدة، أو في توقيت محدد.


فلم تعد جمعيات البر -بسبب المشروع -  بحاجة إلى مستودعات لتخزين كميات الأرز التي تصل إليها، ولم تعد بحاجة إلى فريق عمل يتولى جمع تلك الكميات المتبرع بها من المنفقين، ولم يعد هناك حاجة لفريق عمل وشاحنات تقطع المسافات الطويلة لإيصال الأرز للفقراء، بل تحولت سلسلة المتاجر إلى (مستودعات مجانية) للجمعيات، وتحول موظفي تلك المتاجر إلى مسئولين مجاناً عن توزيعه على الفقراء وقت حاجتهم.


ومع أن الجمعيات في مشروعها لذلك العام لم تستهدف على الاستحواذ على كل زكاة الفطر، بل على حصة محددة ويسيرة من مجموع زكاة الفطر بالمنطقة، إلا أن حسن توزيعها وإدارتها أدت إلى اكتفاء الفقراء التابعين لكل الجمعيات المشاركة من الأزر لمدة عام كامل.
إنه نموذج مشرف لتأثير التنسيق والتكامل في تحقيق الأهداف بأقل التكاليف، وأجود المستويات.

ورغم أن المشروع قد حقق هذا النجاح الكبير، إلا أن القائمين عليه كانوا يطمحون للمزيد، فقد كان من خططهم الحصول على أسعار أكثر انخفاضاً بالاتفاق مع كبار تجار الأرز في الدول المصدرة له كالهند وباكستان، غير أن الوقت لم يسعفهم لهذه الخطوة.

والمتأمل في هذه التجربة الناجحة، يتساءل: ما الذي يمنع من تكرار هذه التجربة في كافة الأصناف والمنتجات التي يتم شراؤها من الجمعيات بكميات كبيرة، والتي يتطلب توريدها وتخزينها وتوزيعها جهداً ومالاً يرهق كاهل الجمعية بشكل كبير.

ما الذي يمنع أن يكون توريد السلال الغذائية بالاتفاق مع كبار الموردين، للحصول على أسعار منافسة جداً، وأن يكون استلامها من المتاجر في أوقات تحددها الجمعية، وأن يتم ضبط العملية بشكل حاسوبي دقيق، وأن يكون محتوى السلة متوافقا مع عدد أفراد الأسرة، فلا زيادة عن الحاجة ولا نقصان.

ما الذي يمنع أن يكون توريد عبوات المياه للمساجد، والمرافق العامة المختلفة من خلال التعامل مع سلاسل الإمداد، بالاتفاق مع كبار المصنعين والموردين للمياه للشراء بأسعار منافسة جداً، وتزويد منتظم بكميات محدودة يومية، بل وتقسيط الدفعات المالية وفقاً لكمية الاستهلاك، بدلا من أن تتحول مساجدنا إلى مستودعات لشركات المياه تأخذ حيزاً كبيراً، وتشوه المساجد وتشغل المصلين.

والأمر نفسه يمكن أن يقال عن الأجهزة المنزلية، والبطانيات، والأدوات المدرسية، وكسوة الصيف والشتاء، والطباعة، والتأثيث، والحواسيب، وغيرها كثير.

ومع أزمة وباء كورونا فإن الحقيبة الصحية الوقائية المحتوية على مواد التعقيم والقفازات والكمامات ونحوها يمكن أن تخضع لنفس المبدأ .

ما أجمل أن يتم استثمار النجاح، وتوسيع نطاقه، وأن تكون التجارب الناجحة ملهمة لنجاحات أخرى، فيتم تعميمها على سائر منظمات القطاع الخيري، ويبدع كل فريق في الاستفادة منها حسب مجال عمله.

وإنني أشير في ختام تدوينتي هذه إلى أن ماسبق الحديث عنه هو حصيلة لنقاش جميل بناء، ومعلومات ثرية وافرة، وتجربة عملية مميزة، من الزميل اللطيف د.علي بن سليمان الفوزان (الرئيس التنفيذي لـ غزارة للاستشارات في القطاع غير الربحي)، وهو أحد أركان نجاح التجربة الرائعة التي رويتها في مدخل حديثي هذا.

وكلي أمل أن يأخذ جملة من أبطال القطاع بهذه التجربة، فيطبقوها ويطوروها، وأن يغدوا هذا أسلوب عمل واسع النطاق. 

دمتم بخير.

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan

أبريل 07, 2020

نحو منصة موحّدة لتنسيق العمل الخيري

في جميع الأوقات، وفي كل مكان، يحتاج القطاع الخيري إلى التنسيق  بين مؤسساته، وصولاً إلى العمل المشترك.
وفي أوقات الأزمات مثل الحروب و الأوبئة و الكوارث الطبيعية يكون التنسيق أولى وأهم وأوجب.

ذلك أن المتبرعين كثير، والمتطوعين بجهودهم كثير، والمحتاجين كثير..
وفي حال فقدان التنسيق والتكامل بينهم فإن الأمر سيؤدي - كما هو مشاهد - إلى تفاوت كبير في تلبية احتياجات المستفيدين، حيث ستتكدس الإعانات والفرق التطوعية على أشخاص، أو جهات، أو مناطق ، وسينحسر الدعم المالي والبشري عن آخرين..
وربما كانت النتيجة أن أحدهم لا يجد فقير قوت يومه من أي طعام كان، بينما يتاح لفقير آخر اختياراً متنوعاً ومتعدداً من الأطعمة دون قيد.
ويؤدي فقدان التنسيق إلى تكرار الجهود، و في الوقت الذي يتم فيه الكثير من العمل الذي قد يكون - أحياناً - ذا إنتاجية أقل.

إن الانشغال بحد ذاته، ليس مطلباً ، وإنما ترتيب الأولويات والانشغال بأهمها هو واجب الوقت، وهو الفعل الصحيح الذي تحمد عواقبه.

وقد رأيت واطلعت وسمعت عن التباين الواسع في طبيعة الخدمات المقدمة للفقراء - على سبيل المثال- في مناطق مختلفة، وذلك حسب الوفرة المادية للجهة، إذا ليس هناك حدّ لما يمكن تقديمه، وبناء عليه فإن التفاوت كبير وقائم، وتبقى - من جراء ذلك - بعض الجمعيات دون داعم، تتعثر مشاريعها الأولية، لأن الدعم قد انصرف لجمعيات أخرى أكثر قدرة على التسويق لمشاريعها، مع قلة حاجتها لكل تلك الأموال، وكثرة مواردها.

وأنا هنا  أدرك - يقينا - أن تلك الأموال التي يتم جمعها من المتبرعين بأي صورة من الصور، فإنها تصرف على الشريحة المستهدفة، بكل أمانة وصدق، ولا تلام الجمعية التي وصلت إليها تبرعات وافرة في أن تنفقها على المحتاجين وتزيد من مستوى الخدمات المقدمة  لهم، إذ ليس لها أن تحيل شيئاً من تلك الموارد إلى جمعيات أخرى حتى وإن علمت مقدار حاجتها.

لكنني أزعم أن عدم وجود التنسيق بين مؤسسات العمل الخيري وجمعياته ولجانه أدى وسيؤدي إلى هذا التفاوت الكبير، الذي يضر في نهاية المطاف بالشريحة المستهدفة.

وأدرك أن (وجود منصة موحدة) يتم فيها عرض المشاريع من الجمعيات، ويتم من خلالها كتابة الدعم، من شأنه أن يعطي الجميع تصوراً أدق عن حجم وعدد المشروعات، وطبيعتها، ومدى الحاجة لها، مع مقارنة آلية مع الجمعيات المشابهة داخل المنطقة وخارجها.

 ويمكن ان تحتوي المنصة على موازنة الجمعية للعام الحالي، ومصادر الدخل الثابت وغير الثابت لها، بالإضافة إلى ماتم صرفه في العام المنصرم، ليكون متخذ القرار بالتبرع ( فرداً كان أو جهة) على وعي تام بمسار عمل الجمعية وإنجازاتها.

إن التنسيق مهمة تكتنفها جملة من الصعوبات دون ريب، لكن الحاجة إليه ماسة جداً.

وإنني متشوّق لسماع ذلك الذي يعلّق الجرس، ويطلق صفارة البدء بعمل تنسيق جماعي مشترك يتبناه المانحون؟

إلى ذلك الحين وأرجو أن يكون أقرب من القريب، دمتم بخير.


محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan