مارس 25, 2020

أصناف الناس مع فيروس (كورونا)؟

يعرض للمرء طوال حياته ظروف قاهرة لا يملك تجاهها تغييراً ولا تبديلاً، فيضطر - غير مختار- إلى ترك الأعمال والانقطاع عن الكثير من العلاقات، والتوقف عن عدد من الأنشطة الحياتية المختلفة، وقد يكون هذا الظرف القاهر: مرض مقعد، أو حادث مؤلم، أو قريب يحتاج إلى عناية تامة وملازمة، أو سفر بعيد، أو غير ذلك من الأسباب..
ومن أمثلة ذلك : الفيروس الذي أصاب العالم اليوم فأوقفت لأجله صلاة الجمعة و الجماعة، وتوقف التعليم، والترفيه، والطيران، ووسائل النقل العامة، وتأجلت كافة الأنشطة الجماعية، وصار لزاماً على الناس أن يمكثوا في بيوتهم فلا يغادروها بغية تقليل فرص انتشار هذا الوباء، وتسهيل محاصرته.

والناس في مثل هذه الظروف يشتركون في المشكلة، ويتقاربون في تضررهم منها، لكونها بلاء عاماً لا يفرق بين شخص وآخر، إلا أن بينهم وبين بعضهم ما بين المشرقين والمغربين في مجال التعامل مع هذا الحدث وأشباهه من أحداث مقعدة للمرء عن الحركة.

فمن الناس - وهذا هو الصنف الأول -  من يمضي أيامه ولياليه مكسور الجناح، لا يكف عن الشكوى والتحسر، يندب حظه، ويذم وضعه، ويشرح للآخرين حجم السوء الذي يعايشه، والفراغ الذي يقتله، والحزن الذي يحيط به، وهو في كل يوم أسوء من سابقه، ينظر للحياة بمنظار أسود، ويتوقع ألا يكون الغد خيراً من اليوم.

فتمضي ساعاته وأيامه دون إنجاز، بل يخسر الكثير من إنجازاته السابقة، يمضي وقته في الأحاديث التي لا فائدة منها، وتقليب القنوات، وتصفح كل شيء على جواله، ومشاهدة كل مقطع، وتتبع كل وسم (هاشتاق)، والإفراط في متابعة مشاهير الشبكات الاجتماعية، فلا يزيده ذلك إلا حسرة وتألماً.

وهذا الصنف من الناس يعيش حياته دون هدف، ولا يحلم بشيء، ولا يعرف نفسه حق المعرفة، ولا يدرك نقاط قوته ولا نقاط ضعفه، وليس لديه خطة مستقبلية للحياة.. إنه فعلاً على هامش الحياة، زائد عليها.

أما الصنف الآخر من الناس.. فهم الذين يتعاملون مع كل حدث بالنظر إلى الوجه المشرق منه، يؤمنون بقضاء الله وقدره، ويدركون أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، وينتقلون بتفكيرهم إلى السؤال المهم (ما الذي يمكنني فعله الآن؟) و (كيف أستفيد من هذه المصيبة؟).

ينظرون -دوماً- إلى الكيفية الأنسب التي يمكنهم بها تحويل الخسائر إلى أرباح، والاستثمار الأمثل لتك الأوقات الفائضة، والاستفادة من الجلوس الطويل في المنزل أو المشفى بشكل إيجابي فاعل، ينخرطون فوراً في برامج فردية وجماعية، يتعلمون بها الكثير من المهارات التي يحتاجون إليها، ويطورون أنفسهم، ويقرأون الكتب، ويستمعون ويشاهدون ما يفيدهم في دنياهم وأخراهم.

وهم لا يكتفون بتحسين ذواتهم، والرفع من قدراتهم، بل يطمعون إلى أن يكونوا مؤثرين على غيرهم، فاعلين في مجتمعهم، فتراهم يوظفون قدراتهم، والتقنيات الحديثة اليوم، وشبكات التواصل، وشبكة الإنترنت، يسعون لتوظيفها لإحداث الأثر، فيكتبون، ويغردون، ويدونون، وينظمون، ويحفزون، ويسعون إلى تغيير مفاهيم أكبر قدر من الناس.

تراهم بعد انجلاء الغمة، وزوال الكربة فإذا وجوههم تتهلل فرحاً، تعلوهم البسمة، ويغشاهم الرضا، يتذكرون تلك الأيام الخوالي، فيذكرون خيرها وبركتها عليهم رغم كل آلامها، ويتحدثون عنها وكيف أنها ساهمت في الرقي بهم نحو مدارج الفوز، ويعددون حجم الأرباح التي استطاعوا جنيها من تلك الفترة بينما كان غيرهم يندب حظه، ويعض أصابع الندم على حجم خسائره منها.

ورسالتي هنا للجميع:
نحن في بدايات هذه الأزمة العالمية التي لا ندري متى يكشفها الله، فلنبدأ - من اليوم-  في التوجه نحو الاستفادة من هذه الأوقات، ولنرسم لنا ولعائلاتنا أهدافاً ممكنة التطبيق، وخططاً قصيرة المدى، ونتسابق نحو تحقيقها، ولنسع للاحتفاء بكل نجاح نحققه، ولنجعل القرب من الله تعالى، والعودة إليه، وتلاوة كتابه أحد معالم هذا التوظيف الأمثل للوقت.

وحين نصنع ذلك فإنني واثق بأن النتيجة ستكون فوق ما هو متوقع، وستصبح الأزمة علامة إيجابية فارقة في حياتنا جميعاً.

اسأل الله أن يكشف الضر، ويزيل البأس، ويحمي مجتمعنا من شر طوارق الليل والنهار، ويديم عليه الأمن والإيمان، إنه سميع مجيب.
دمتم بخير،،،

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan

مارس 23, 2020

تأملات في (حظر التجوّل)

في ثنايا البلاء، تكمن النعمة، شعرنا أم لم نشعر.
ففي الوقت الذي نمتنع فيه عن الخروج من منازلنا لأول مرة في تاريخ بلادنا، ويفرض على الناس حظر التجوّل طيلة اثنتي عشرة ساعة يومياً ، ولمدة ثلاثة أسابيع متتالية..
هذا الحدث الجديد علينا جميعاً، والذي يأتي كإجراء وقائي تفرضه المرحلة، وتوجبه المصلحة العامة بهدف تقليل فرص انتشار فيروس كورونا، الذي عصف بمئات الألوف في أنحاء العالم، وهلك بسببه آلف البشر في فترة وجيزة.
هذا الحدث – وأعني به حظر التجوّل- لفت نظري إلى النعمة العظيمة التي نرفل فيها، ألا وهي نعمة (الأمن)، إذ أننا - طيلة تلك العقود العشرة المنصرمة -، ونحن نعيش الأمن واقعاً، ونراه يعمّ أرجاء البلاد، لذا لا عجب أن يكون مصطلح (حظر التجوّل) مصطلحاً غريباً علينا تماماً، فرغم أننا كنّا نسمعه كثيراً في وسائل الإعلام حين تنقل لنا نشرات الأخبار الأوضاع في شتى البلدان والأمصار، إلا أنه بعيد كل البعد عن مجتمعنا المبارك.

ومن فضل الله ونعمته أن قرار فرض (حظر التجول) لم يأت بهدف معالجة اختلال أمني، ولم يأت جراء فقدان للسيطرة على الأمن، وإنما جاء - أسوة بكل الدول الناضجة - كإجراء وقائي متقدم يستهدف مصلحة المواطن، وحمايته من الضرر الذي يمكن أن يقع عليه من جراء التنقل والحركة والمخالطة التي تتسبب في انتقال الوباء.

ومن جهة أخرى، أشعرني هذا المكث الإلزامي في البيت، بنعمة (الحرية) التي يتمتع بها الواحد منا، حرية اتخاذ القرار، وحرية الحركة، وحرية السفر، وحرية التسوق، وحرية الخروج للمنتزهات، مع ألوان كثيرة من الحرية التي لم نعد نشعر بها ولم ندرك حجمها وأهميتها، حتى جاء الحجر المنزلي، وحظر التجول ليعيدا لنا استشعار النعمة وحمد الله عليها.

كما أن هذا المكث الإلزامي جعل الجميع يعود إلى أحضان أسرته، فبعد أن فرقتهم التقنية، وأشغلتهم الشواغل، وانطلق كل فرد من أفراد العائلة إلى مدرسته أو جامعته أو وظيفته أو تجارته أو أصحابه، ها هم اليوم يعودون القهقرى إلى الحصن الحصين، إلى الأسرة الصغيرة التي هم جزء منها، يعيدون المياه فيها إلى مجاريها، ويصلحون من جسور المحبّة ما انقطع، ويسقون من أشجار الصلة ما طاله الظمأ، ويتأملون في حياتهم، ويتدارسون أوضاعهم، فقد جمّعتهم الكورونا بعد افتراق، وألفت فيما بينهم، وأزالت عوائق التواصل التي فرضتها ظروف العصر وأوضاعه.

ما أحوجنا دوماً إلى التساؤل بعمق: ماذا علمتنا الأحداث؟ وأي شيء إيجابي جلبه لنا هذا الحظر الإلزامي، وماهي التأملات التي يفترض بنا أن ننظر فيها، وكيف يمكننا توظيف هذا الوقت الطويل، وهذا الفراغ الكبير بشكل يجعلنا - بعد زوال الغمة - نتذاكر سوياً تأثيرها الإيجابي علينا، وحجم النفع الذي حققته لنا.

وإلى أن تعود الحياة إلى طبيعتها، وينكشف البلاء، ويزول الداء ..دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan


مارس 08, 2020

يا هذا : اعتزل ما يؤذيك!

تحتاج النفس إلى المزيد من العناية والرعاية لكي تنطلق في آفاق العمل والإنجاز والسعادة، ولذا فهي بحاجة ماسة للتخلص من العقبات والعوائق وإزالتها عن طريقها وتفقد أحوالها بشكل مستمر.
ومن هنا كان نداء (اعتزل ما يؤذيك) مبرراً ومفهوماً ومقبولاً.. فكل أمر يتسبب لك في الكثير من الأذى والقلق والحزن والضيق، فإن المفترض بك أن تضع له حداً، وأن تعزله عن حياتك وفق الممكن، مالم يكن ذلك الشيء مما لا يمكنك الفكاك منه إطلاقاً، وهي حالات نادرة إذ الأصل إمكان ذلك.

واعتزال المرء لما يؤذيه، ليس بالضرورة اعتزالاً (حسياً) بعدم اللقيا، ومفارقة المكان بشكل تام، وإن كان ذلك هو الأصل، فقد يكون اعتزال المرء ما يؤذيه (معنوياً) مع وجود التواصل الحسّي، ويكون بالحرص على الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يثير العلاقة أو يزيد التوتر، فلو كان أحد الأقارب كالإخوة أوالأعمام أوالاخوال ممن يطالك أذاه، فإن الاعتزال هنا لا يكون بالقطع والهجر والعقوق، بل بترك الخوض معه في نقاط الأذى، وعدم تعميق الصلة بما يزيد الاحتكاك، وتقليل وقت المخالطة قدر الإمكان، مع أداء واجب الصلة للرحم.

ويكون - في بعض الأحايين - ذلك المؤذي مهذباً ولطيفاً ولا يسيء إليك بقول أو بفعل، لكنه يقودك لأذى أعظم، وهو الأذى الأخروي، فيكون عنصراً يقرّبك من السوء، ويهوّن عليك مقارفة الحرام، ويسوقك إلى خطوات الضلالة، فهو في نهاية المطاف "يؤذيك".. فحينئذ يكون الاعتزال له مهماً كذلك، ولتتيقن أن الشيطان وأتباعه يدخلون على المرء - بكل خبث- من خلال "الخطوات اليسيرة" لا الكبيرة، يبدؤون بالشيء اليسير ثم يزيدون خطوة بعد أخرى، ويزينون للنفس التجاوز اليسير شيئا فشيئا، حتى يتورط المرء ويقع فيما يصعب عليه تداركه، ويصبح المرء فيما يشابه النفق المنحدر بقوة والمؤدّي إلى الهاوية، فلا يكون أمامه إلا الاستمرار في هذا الانحدار، والوقوع في أمور لم يكن يظن يوما أنه سوف يصل اليها، فيكون الاعتزال حينئذ دليلاً وعي المرء وعقله وخوفه من الله، ومن عرف كيد الشيطان عامله بنقيض قصده.

أيها الأكارم
إن اتخاذ المرء لقرار الاعتزال للأشخاص والأماكن والمواقع والبرامج والمجموعات والمواد المؤذية قرار يحتاج إلى حزم، ووعي بالقرار ونتائجه، وهو قرار حكيم يكفل للنفس الهدوء والصفاء والسكينة، بعيداً عن خوض المعارك الكثيرة مع أولئك الفارغين.
وفي كل محاولات الاعتزال تلك سواء كانت مع الشيطان أو مع شياطين الأنس أو مع النفس الأمارة بالسوء، فإن المرء ضعيف، وليس أنفع له - بعد عقد العزيمة الصادقة على ذلك الاعتزال - من اللجوء إلى الله، ليعصمه من السوء، ويسوق إليه الخير من حيث لا يحتسب، وأن يعينه على المواصلة والاستمرار.

وليدرك كل واحد منا وليتيقّن تماماً أن كل شيء يتم اعتزاله لأجل الله فإن صاحبه موعود بالعوض عنه ففي الحديث "من ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه"، وذلك وعدٌ صادقً غير مكذوب.
دمتم بخير،،،

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan


تم النشر في صحيفة تواصل من هـــنـــا