فبراير 15, 2020

بين مجد "المنظمة" و المجد "الشخصي"!

تتيح المناصب القيادية المختلفة في المنظمات (الحكومية والخاصة وغير الربحية) لأصحابها ظهوراً مختلفاً ، وتمكّنهم من الوصول إلى مواقع وفرص ومكاسب وبروز إعلامي لا يتاح لبقية الناس، وهو أمر طبيعي من حيث الأصل، فالمتصدّي للناس، والمتحمل للمسئولية سيجد نفسه شاء أم أبى في الواجهة، وهذا أمر مطلوب ومرغوب، فمن لا يريد ذلك فليمتنع عن الصعود إلى المناصب القيادية، وليبق في المكاتب الخلفية يعمل بكل جدّ، وهو مشكور مأجور بإذن الله.
والأصل أن يكون تفكير ذلك القيادي وتخطيطه - دوماً – متوجه إلى كيفية قيام المنظمة بمهامها على الوجه الأمثل، بالإضافة إلى بناء علاقة المنظمة بالجهات المختلفة مما يمكنها من تحقيق أهدافها، ويدخل في مهامه الرئيسة تحسين الصورة الذهنية للمنظمة بالشكل الذي يليق بها.
وتقوم الإدارات المختلفة في المنظمة - في هذا السياق – بجهود متكاملة لتحقيق تلك الأهداف، ويحرص القيادي على تمكين الأفراد من مهامهم، وتفويضهم بالصلاحيات المناسبة التي تجعلهم يواصلون نموهم، ويحققون أهداف منظمتهم بسلاسة.

وهذا المجد الذي تتم صناعته للمنظمة، يحقق لها الكثير، ويجلّي دورها ورسالتها، ويجلب لها المنافع، والاستمرارية، فهو مطلب مهم وجدير بالعناية.

غير أن المشكلة التي أتحدث عنها هنا تكمن في أولئك القياديين الذين ينصرف تفكيرهم واهتمامهم كله إلى مجدهم الشخصي، ومكاسبهم الفردية، التي يلبّسونها ويجمّلونها ويخفونها تحت ستار المصلحة العامة، وتحقيق النفع للمنظمة، وهم أكثر من يعرف بأن حديثهم هذا مجرد خداع.

فتراهم – دوماً – يتصدرون بذواتهم في كل محفل، ويتحدثون عن دورهم الكبير في نجاح منظماتهم، وينسبون الفضل والسبب لأنفسهم، ولا يرضون أن يمر على المنظمة حدث كبير او زائر مهم إلا وهم حاضرون بقوّة، لذا يواصلون الظهور الإعلامي مرة بعد أخرى، ويحرصون على أن تكون كافة أشكال التواصل مع الجهات التي يمكن من خلالها تحقيق المجد الشخصي أو المكاسب قصيرة المدى وطويلة المدى من خلالهم فقط، محصورة فيهم، لا تجاوزهم، ويصبح السؤال الرئيس الذي يحدد قرارتهم *( أين هي مكاسبي من هذا الأمر؟)*

ولهذا يمكن أن يقوم ذلك القيادي – حال تعيينه - بإيقاف مشروع مهم في المنظمة رغم أن أغلبه قد أنجز، ثم يبدأ في إطلاق مشروع جديد بدلاً عنه، لا لعلة في المشروع وأثره، بل لأنه حال اكتماله سوف ينسب لغيره، بينما هو يفكّر دوماً في مكاسبه هو، فيحقق له المشروع الجديد ظهوراً وبروزاً، فضلاً عن المكاسب المالية التي يمكن أن تحصل له من جراء ذلك.

ويجد هؤلاء الصاعدون على أكتاف الآخرين، والجاعلون من منظماتهم سلماً يرتقون من خلاله إلى مكاسب الخاصة، يجدون من يخفض لهم ظهره ليصعدوا عليه، ومن يمد لهم يده ليرتفعوا اعتماداً عليها، طمعا في أن يمنّ عليهم ذلك القيادي المتنفّع ببعض الفتات، فلا ينساهم من حصيلة مكاسبه الكبيرة.

إن هؤلاء الذين يصنعون مجدهم الشخصي على حساب المنظمة لا تعوزهم الحيلة ولا المعاذير لتبرير صنيعهم، وتلبيسه بالحقّ، واعتبارما يقومون به "خطوات مهمة" لا بد منها من أجل مصلحة المنظمة، وإنجاحها، ومن ممارساتهم في هذا الباب أن يخصّوا أنفسهم بانتدابات طويلة وكثيرة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ويسافرون على حساب المنظمة لكل مكان، ويحضرون المؤتمرات التي تقام في الأمصار وإن بعدت مكاناً وموضوعاً، ويشاركون في كل اللجان التي تتضمن علاقات مهمة أو مكاسب مالية حتى وإن لم يكن لهم فيها أي إسهام إيجابي، ويقدّمون القرابين للآخرين على حساب المنظمة فيكرمون ويكثرون الأعطيات لمن يؤملون منهم خدمات شخصية مهمة لأنفسهم.

هم باختصار شديد، لديهم رؤية واضحة مفادها: (المنصب مؤقت، وأنا دائم!)، وبناء عليه يسأل الواحد منهم نفسه: كيف يمكن لي استغلال هذا المنصب بأسرع وأكبر ما يمكن.

وإنما تتعزز هذه الممارسة وتكثر بفقدان مجالس الإدارة الفاعلة التي تراقب الأداء، وتضبط الصلاحيات بما يكفل منع أولئك من استغلال الأمر للصعود بذواتهم على أكتاف المنظمة، ذلك أن مجالس الإدارة النائمة تلجأ إلى تفويض كلّ صلاحيتها أو جلها لذلك القيادي، رغبة في الراحة وعدم الانشغال، وما علموا أن الرجل حوّل المنظمة إلى ما يشبه الملكية الخاصة، والمزرعة الشخصية يتصرف فيها كما يحلو له، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء ويخصص لنفسه ما يشاء دون حسيب أو رقيب.

كما أن التأكيد المستمر على حسن اختيار القيادة، وقوة المنظومة الأخلاقية لديهم، يضمن بإذن الله قلة هذه الممارسات ووأدها في مهدها، ووضع الضوابط والأدوات التي تمنع من التجاوزات الشخصية قدر المستطاع.

وحديثي كله عن تلك الفئة (القليلة) التي تخطط لمجدها على حساب مجد المنظمة، أما الذين هم بخلاف ذلك فهم الأكثرية الباقية، والنموذج الجميل الذي نفاخر به، فلهم من المجتمع كل التقدير والحب والوفاء.

دمتم بخير،،،

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan


تم النشر في صحيفة تواصل من هـــنــا

فبراير 08, 2020

حتى في الرمق الأخير : فليغرسها

(إن بالمدينة لرجال ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم وادياً إلا شركوكم في الأجر حبسهم المرض)، هذا كلام المصطفى ﷺ في الحديث الذي رواه جابر بن عبدالله حين كان مع النبي ﷺ في أحد غزواته، فالنية الطيبة بحدّ ذاتها تصنع الكثير.
ولطالما تكاسلنا كثيراً عن القيام ببعض الأفعال “المهمة” والمؤثرة نظراً لما يصيبنا أحياناً من التشكّك في مدى استمرارية نتائج تلك الأعمال على المدى الطويل، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مع أن المطلوب منا أن نبذل جهدنا ونقوم (الآن) بكافة الأعمال التي يجدر بنا القيام بها، وليس علينا أن نستوثق بشكل (متشدد) مما يحدث في المستقبل، فالأجر يحصل بالعمل الصحيح، أما النتائج فأمرها إلى الله، وهذا ملمح مهم يجدر بنا التشبع به تماما.

فالنية الطيبة، والعزيمة الصادقة، والسعي نحو العمل تثبت مصداقية المرء، لذا لا عجب أن يكتب الله له الأجر ولو لم يتم أمره، أو يحقق أهدافه أو تعطل بعد إقامته، ولذا ثبت في الحديث أن بعض الأنبياء يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد، بل إن نوحاً عليه السلام الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ونوّع فيها الوسائل، والأوقات، والأدوات، لم يلق من الاستجابة ما يتناسب معه تلك الجهود العظيمة فكان موقف قومه الصدود والسخرية، ولم يؤمن معه إلا عدد قليل فحسب.

ولس الأمر مقتصراً على من نوى وعمل، بل إن النيّة – وحدها- لمن عجز عن العمل ترفع درجة صاحبها، ففي الحديث الصحيح حين عدّد رجال أمته، ووصفهم قال ﷺ :(رجل آتاه الله مالًا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه، ورجلٌ آتاه الله علما ولم يؤته مالًا فهو يقول: لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعمل) قال رسول اللهِ ﷺ(فهما في الأجرِ سواءٌ).

فإذا أتيحت لك الفرصة لإطلاق مبادرةٍ ذات نفعٍ متعدٍ، أو مشروعٍ يحقق الفائدة والخير للناس، فلا تتردد كثيراً في الأمر، ولا تطل “القنص” و”التصويب” و” الإنضاج”، فحتى في الساعات الأخيرة من الحياة على هذا الكون، ولحظات النهاية على الأبواب، فإن النصّ الشرعي جاء موجّها لأولئك الذين يشهدون تلك اللحظات الحاسمة أن يفعلوا الخير دون أن يلقوا بالاً لموضوع النتيجة التي يمكن أن تتحقق بسبب الظروف الخارجة عن إرادتهم، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد يقول ﷺ:(إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها)، فغرس الفسيلة – وهي صغير النخل المأخوذ من جوار أمّه، هذا الغرس عمل بعيد الأثر، ولا يحقق إثماراً إلا بعد مضي عدد من السنين، والأحداث المحيطة بأولئك القوم تجعلهم يدركون بأنه لم يبق من عمر الأرض إلا فترة قصيرة، ومع ذلك جاءت الوصية النبوية بالغرس، بفعل الخير دون التفكير في النتائج كثيراً مادام العمل في ذاته صحيحاً، والنية فيه طيبة.

ومن تأمّل أحداث التاريخ، وقصصه، فسوف يتعجب من بعض الأعمال الصالحة التي لم يكن أهلها يتوقعون لها أن تحقق أثراً كبيراً، ولا مستمراً، وكيف باركها الله ، ونماّها، وكفل لها استدامة البقاء واستدامة التأثير.

إنها رسالة لنا جميعاً أن ننطلق نحو كل عمل خيري نافع، وألا نتردد في إطلاق تلك المبادرات الفردية ذات النفع المتعدّي، فإن شيوع مثل هذه المبادرات من شأنه أن يحدث تغييراً إيجابياً واسع النطاق نحو المزيد من الخير.

فيا أيها القارئ والقارئة .. اغرسوها، دمتم بخير ،

محمد بن سعد العوشن

إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري

@bin_oshan


تم النشر في صحيفة تواصل هــنــا

فبراير 08, 2020

يغضضن من أبصارهن!

ماذا لو كان في مجلسك ثلة من الزملاء في سهرة ماتعة..
وكان في مجلس الضيافة هذا نافذة ذات زجاج عاكس يجعل من كان خارج المجلس ينظر لمن بالداخل لا العكس.
 ثم خرجت لتجلب الشاي لضيوفك، فوجدت أهل بيتك 'زوجتك وابنتاك وابنك'  متسمرين أمام تلك النافذة!
يضحكون على دعابة أحمد، وظرافة محمد، ويتعاطفون مع فهد، ويرثون لحال سعد،ويستظرفون أسلوب صالح!
فسألتهم : منذ متى وأنتم هاهنا.. فأجابوك: منذ أعطيناكم القهوة قبل نصف ساعة.
أكان ذلك يسعد أم يسوؤك؟
وهل ترى أن متابعة النساء للرجال في السناب للعيش مع يوميات أولئك الرجال أمر مشروع؟
وما علاقة ذلك الصنيع بقول الله تعالى (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)؟
مجرّد أسئلة!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ( 15/396) :
(وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب من الرجال بشهوة ولا بغير شهوة)