ديسمبر 26, 2019

بعيداً عن المكابرة : الاندماج حين يكون حلاً!

 في ظل قلة الموارد المالية للمنظمات غير الربحية، ومع وجود تهديد حقيقي بإغلاق عدد منها لهذا السبب، ومع قلّة الموارد البشرية المهيئة لقيادة بعض تلك المنظمات نحو برّ الأمان، فإن من الحلول التي أراها مهمة، وجديرة بالعناية: خيار (الاندماج).
وذلك أن تتفق منظمتان غير هادفتان للربح فيما بينهما على أن يكونا (كياناً واحداً) بدلاً من كيانين اثنين.
 وما يترتب على هذا من انخفاض كبير في مصاريف التشغيل، إذ يكون المقرّ واحداً، وفواتير الخدمات واحدة، ويتم بالتالي تقليص عدد الموظفين بشكل واضح، وإعادة هيكلة المنظمة لتستوعب مهام الجهتين بأقل التكاليف، ومع ذلك الاندماج يتم التخلي عن جملة من الأنشطة الأقل أهمية وأثراً، فيكون قرار الاندماج مدعاة لإعادة النظر في الوجهة والاستراتيجيات..

وفي ظني أن ذلك الاندماج من شأنه أن يجعل المنظمة الجديدة أقوى من سابقتيها، لأنها ستحتفظ - فقط - بالموظفين الأفضل أداء، وستتخلص من العبء الذي كانت تتحمله إحداهما من موظفين وعقود ونحوهما، وهو ما يجعل قرار الاندماج جريئاً، ومؤلما في الوقت ذاته، لكنه سيكون مثل مبضع الجراح، يؤلم بشكل مؤقت، ليزيل الألم بشكل دائم، ويوقف النزيف المستمر.

وسيكون هناك – حينها - مبرر واضح لإعادة التموضع، وضبط بوصلة التوجه الاستراتيجي للجهة الجديدة بعد الاندماج، كما أن مجلس الإدارة الموحّد سيكون أكثر جودة من سابقيه لذات السبب، وهو اصطفاء الأفضل.

وإنني أدرك - يقيناً - أن هذه الخطوة لن تكون مقبولة لدى عدد من طبقات الهيكل الوظيفي لكلا المنظمتين، ولا لبعض المستفيدين من خدماتهما، ذلك أن مدير أحد الجهتين سيصبح مديراً للجهة الجديدة دون صاحبه، بل قد يأتي مدير آخر ليكون بديلاً عنهما، كما أن كل موظف مقصّر، سيدرك أن هذا الاندماج سيؤدي إلى تسريحه، وكل مستفيد من الانفصال شخصياً سيحرص على التشكيك في جدوى هذا الحل، والتقليل من شأنه، فتراه حريصاً على إطالة عمر المنظمة في وضع الإنعاش إلى آخر لحظة، ما دام يحقق الاستفادة الشخصية النظامية منها بالراتب الشهري، أو المكانة أو العقود معها أو الاستفادة من خدماتها، أو التأجير عليها، أو غير ذلك من أنواع الاستفادة.

غير أن تجارب العالم كله، تثبت أن الاندماج هو أحد الحلول الناجحة التي يمكن اللجوء إليها، بل هو أسلوب يلجأ إليه الأقوياء - كثيراً - طمعاً في زيادة قوتهم وحصتهم من السوق، وتعظيم مواردهم، وليس لقلة تلك الموارد، فكيف ينكص عنه من لم يكونوا كذلك؟

وإنما يكون حل الاندماج – من وجهة نظري – عملياً حين يكون مبرر وجود الجهة ابتداء لا زال قوياً ومهماً، أما إذا كان المبرر ضعيفاً أو غير موجود أصلاً، فإن الشجاعة كل الشجاعة تكمن في رفع راية الاستسلام، والإعلان عن الإغلاق، والاعتراف بكل وضوح وصراحة أن الهدف الذي قام الكيان لأجله لم يعد موجوداً أو تم التأكد من عدم القدرة على تحقيقه لأي سبب كان، أو أنه تحقق وانتهى فزال سبب الوجود.

لقد ابتلينا بالعلاقة النفسية التي تقوم بين مطلقي المشروعات، وبين المشروعات ذاتها! فتراهم يعدون بقاء المشروع بقاء لهم، وزواله نقصاً بحقهم!، مع أنهم لو تأملوا الأمر جيداً لوجدوا أن دورهم، ومبادرتهم، وجهدهم مذكور ومشكور، غير أن الديمومة ليست سمة للكيانات، وإنما هو سمة المبادئ والقيم، أما الكيانات فإن التغير والتحول والتبدّل هو سمتها الرئيسة، وسر نجاحها، إذ الثبات على الوسائل والتمسك بها ليس محمدة يفتخر بها، بل هي دليل على جمود التفكير، وضعف المرونة في الكثير من الأحايين.

إننا اليوم أحوج ما نكون إلى إعادة المراجعة لكافة منظماتنا غير الربحية للتأكد من مشروعية البقاء، وإمكانية الاستمرار، وفاعلية أدوات العمل، وإعادة الهندرة بشكل جريء يكفل إعادة ضخ الدماء في عروقها التي طال كثيراً منها اليباس، بما يضمن تحقق الأهداف المرجوة منها، وتحقيقها لخدمة المجتمع، بعيداً عن كل أعباء التاريخ، والمسيرة، والسمعة السابقة التي تتحول أحياناً إلى قيود وأثقال تمنع من الحركة، وتعيق الانطلاق.

وكلّي أمل ورجاء أن تجد هذه الكلمات طريقها إلى قلوب تلك القيادات المميزة، التي كان لها فضل كبير، وجهد كثير، وعمل شجاع ودؤوب لا يعرف الكلل ولا الملل لإطلاق العديد من المنظمات الفاعلة التي قامت بخدمة المجتمع والنهوض به، وسدّ احتياجاته، والعمل لأجله حيناً من الدهر، لكي تمارس دورها القيادي مرة أخرى، فتقوم بإعادة المراجعة والبناء، لضمان استمرار المسيرة الفاعلة والتأثير الإيجابي.

دمتم بخير ،
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan

ديسمبر 09, 2019

البوابة الشاملة للتعليم الشرعي


تزخر الشبكة العالمية اليوم بعدد غير قليل من المواقع التعليمية الشرعية، تختلف في أسلوب تعليمها، ومدته، وتخصصاته، وحين يرغب الواحد منا أن ييدأ مسار التعلم عن بعد فإنه يصاب بالحيرة والارتباك، فلا يدري من أي يبدأ ، ولا في أي موقع يتعلم، كما أنه لا يدري عن الفروق بين هذه المواقع والمزايا لكل واحد منها .
هل يمكن أن تقوم جهة خيرية أو غير ربحية أو تجارية بإطلاق بوابة للتعلم الشرعي، تستوعب كل هذا الشتات؟
لا من خلال الاندماج فهذا دونه خرط القتاد، ولكن من خلال الربط مع تلك المواقع وتحليلها، وتصنيفها وفقاً للتخصصات، وللمدة، ووضعها على شكل باقات، وتحديد الفئة المستهدفة من كل موقع، وأسلوب التعلم، وغيرها من نقاط الفرز .
بحيث يتاح للطالب أن يحدد متطلباته، وشروطه، فتخرج له النتائج الأقرب، كأن يحدد مثلاً برامج قصيرة ( أقل من شهر) أو برامج متوسطة (3 إلى 6 أشهر) وبرامج طويلة ( سنة أو أكثر)، فتخرج له جميع النتائج التي تتوافق مع شرطه.
ويمكن له أن يضيف شرطاً متعلقاً بالتخصص أو شرطاً متعلقاً بالتفاعل، أو غير ذلك.
بل أفترض أنه يمكن للزوار تقييم تلك المواقع من عدة جوانب، بحيث يتاح للطالب معرفة إيجابيات وسلبيات كل موقع قبل الدخول فيه.

وإنني لأعتبر موقع ( booking) أنموذجاً يمكن الاقتباس منه وصنع البوابة بشكل يحاكي جملة من خدماته.

كما يمكن للموقع المقترح أن يحدد للطالب مسار التعلم الأنسب وفقاً لمستواه، فيحيله إلى الموقع رقم 1 لدراسة المقرر الفلاني، ثم الموقع رقم 2 لدراسة مقرر أو اثنين، ثم ينقله للموقع 3 ليواصل التخصص في المقرر الفلاني.

إن هذا الدور في حقيقته يمكن أن يكون من باب الدلالة على الخير، فله أجر كل الدارسين من خلاله، كما أنه سيكشف نقاط الفراغ، ويسعى لإقناع أصحاب تلك الموقع لسدّها، ولا يقوم هو بدور الآخرين فيتحول إلى موقع تعليمي لأن ذلك يفقده دوره الرئيس ويجعله في سياق المنافسين.

قال رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كانَ لهُ مِنَ الأجْر مِثلُ أُجورِ منْ تَبِعهُ لاَ ينْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا) رواهُ مسلمٌ.

فمن يعلّق الجرس؟

ديسمبر 04, 2019

فتاة الأريكة .. ( محاولة قصصية)

أهداني الاديب الاريب احمد العساف كتابا عن فنون الكتابة وآلياتها ..فتحمّست 😆
وقبل هبوطي من الطائرة بعشرين دقيقة حاولت البدء بكتابة جزء من قصة قصيرة مختبراً نفسي ..
وأحببت أن أضع هذه التجربة بين أيديكم لتشاركوني في التقييم .
--------------
لم يكن صوت وقع الحذاء ليزعج احمد الذي استلقى على تلك الأريكة الفاخرة في ردهة المنزل قبل مايزيد عن الساعتين بعد إجهاد وتعب كبيرين لقيهما في هذا اليوم الصيفي الحار من شهر آب اغسطس..
غير أن تعثر صاحبة الحذاء وسقوطها على ارضية الممر المؤدي للردهة سقوطا مدويا هو الذي جعل احمد يستيقظ فزعا.
إذ لم يكن في الدار إلا هو..
فزوجته وأبناؤه سافروا قبل يومين في رحلة سياحية مع أخوالهم كما يصنعون كل عام، ولن يعودوا قبل عشرة ايام غالبا.

نهض احمد من الأريكة واقفا مفزوعاً .. وهو يردد "بسم الله الرحمن الرحيم ... اللهم اجعله خيرا"..

ثم خطى  بوجل وتردد وبطء نحو مصدر الصوت.. بعد ان لمس بيده مفتاح الإضاءة إذ كان الممر آنذاك مظلما ..
وتفاجأ احمد بفتاة تبدو في العشرينات من العمر تتأوه وتشير اليه باشارات غير مفهومة ..

كانت الفتاة بيضاء طويلة، ذات شعر أسود فاحم، لم يكن مرتبا وكانت ترتدي ملابس قصيرة بدا انها ملابس نوم غير ساترة.
تردد احمد في السير نحوها ولم يكن يدرك يقينا اهو في حلم أم في حقيقة ..

لكن آهات الألم المتتالية الصادرة عنها بصوت منخفض وبكاؤها الذي  تحاول إخفاءه ازال كل تردد لديه.

اقبل عليها وجلس على ركبتيه عند رأسها وهو لايدري ماذا يصنع، ثم مد يديه اليها لتمسك بهما وهو يقول عسى الامر خير .  انهضي ..حمدا لله على سلامتك.. ارجو ان تكوني طيبة ..

تشبثت بيديه وهي تسعى لرفع جسدها الذي ظهرت عليه آثار الإعياء ولاحظ أحمد بعض الخطوط الحمراء على كتفيها ووجهها وكأنما هي كدمات من جراء ضرب تعرضت له ..

رفعت جسدها شيئا فشيئا وهو يقف معها تدريجيا ثم سار بها عبر الممر إلى المكان الذي كان مستلقيا فيه.. سارت معه وهي تجر قدميها جرا وتستند على كتفه حينا وعلى الحائط حينا آخر وهي تردد بصوت ضعيف تخالطه الدموع.. سس سارة سارة !

لاحظ احمد ان قطرات من الدماء كانت على ملابسها..


توقفت هنا عن الاكمال
____________
كانت مجرّد تجربة، لم أتمها.