أبريل 28, 2019

المتسولون الأثرياء

أصبح "التسول" اليوم باباً من أبواب الحصول على الأموال الوفيرة دون جهد حقيقي فعّال، و"التسول" من حيث هو يعدّ اختياراً وتفضيلاً شخصياً "سيئاً" يقوم على الرضا بأن يكون المرء دوماً هو اليد السفلى، ويكون الناس أياً كانت أحوالهم المادية هم "اليد العليا"!
وحين يبدأ المرء في وظيفة "التسول" تلك، يجد صعوبة وعسراً، ومشقة وعنتاً، وتراه وقد غشيه الحياء، وجلله الخجل، وشعر بالمهانة، غير أنه مع الاعتياد تتغير تلك المشاعر ويصبح التسوّل سلوكاً مقبولاً لديه، ويعتبر الحصول على الأموال من خلاله إليه أيسر وأهون وأحبّ إليه من الحصول على المال من خلال الكدّ والجهد، والحرفة الشريفة التي يعمل فيها لتحقيق الدخل.

والتسوّل - بهذه الطريقة التي نراها اليوم-  ليس لحجم الدخل المتوقّع منه سقف محدد، وليس هناك رقم يعتبره المتسول هدفاً يتوقف التسول بعد إكماله، بل إنه – ومع مضي الوقت - يصبح  ذا خبرة كبيرة ومتخصصة يعرف بموجبها "الأماكن"، و"الأشخاص"، و"الأوقات" التي يمكن فيها ومعها الحصول على الكمّ الأكبر من المال، كما يتعرّف المتسوّل – تدريجياً - على أساليب التأثير الأكثر نجاعة حسب الفئة المستهدفة من الناس.

وتثبت حالة القبض مرة بعد أخرى أن لدى جملة من هؤلاء المتسولين أموالاً وأملاكاً طائلة، وأن الأمر ليس حاجة حقيقية، بل أسلوباً في جمع الثروة أحياناً.

ولأن التسوّل عملية غير نظامية، فلا يمكن معرفة حجم المبالغ التي يقوم المتسولون بجمعها، ولا عدد المتسولين من الأسرة الواحدة، ولا أوقات التسول التي يمضونها، ولا أين تذهب تلك الأموال، ولا عن كيفية إدارة عملية التسول بحدّ ذاتها، ومن يقف وراءها؟، كما أنه ليس من المعروف كيف يتم توزيع المتسولين على مواقع التسوّل ولا الطرق التي يسلكها المتسولون من منازلهم أو مواقع تجمعهم إلى مواقع جمع الأموال.

كما أنه ليس هناك ما يثبت العلاقة "الحقيقية" بين أولئك المتسولين وبين الأطفال المعاقين أو المرضى الذين يرافقونهم، كما أنه لا يمكن التحقق من صحة الأوراق والتقارير المرفقة التي يعرضها كل متسوّل، خصوصاً أن الأمر يعتمد على لحظات سريعة يمضيها المتسوّل عند كل معطي، بل إنه ليتضح – أحياناً-  من بعض تلك الأوراق أن المتسول قد أمضى سنين طويلة في هذا العمل، فالشهادات المعطاة له هي صور مستنسخة، تحمل تواريخاً قديمة، ومعدّلة، وهي غير قابلة للتحقق والاستيثاق منها.

إن إعطاء السائلين بحقّ، والوقوف مع المكروبين، وسدَ حاجات المحتاجين، وإغاثة الملهوفين، وعلاج المرضى، ومساعدة المعوزين، أمر جليل القدر، عظيم الأجر، وهو من أعظم القربات عند الله، بل هو سبيل من سبل تكفير الخطيئات ورفعة الدرجات، ويهمّني التأكيد هنا على أهمية الوصيّة بالضعفاء الحقيقيين خيراً، لذا فإنني أدعو إلى توسيع نطاق الدعم للمحتاجين بما يرفع عنهم العوز والفقر، ويسدّ حاجتهم، مع السعي الجاد لتحويلهم إلى أصحاب حرفة أو وظيفة تغنيهم عن المسألة كلياً متى كان ذلك ممكناً، غير أن هذا الموقف المتعاطف مع المحتاجين شيء، والموقف من المتسولين المجهولين شيء آخر تماماً.

إننا بحاجة إلى مشروع حقيقي، يستهدف التفريق بين ذوي الحاجة والكذابين، ولا أزعم أن لدي حلاً سحرياً يحقق ذلك، لكنني واثق بأن عقول شبابنا ورجالنا ونساءنا – بتوفيق الله – قادرة على إيجاد الحلول المبتكرة، والأفكار الإبداعية التي تسعى للحل، وتحاول تجاوز هذه الإشكاليات التي نراها اليوم.

كما أؤكد على أننا - في الوقت ذاته- بحاجة ماسة لمعرفة الفئات التي تتسول لأنها محتاجة فعلاً، وإيجاد القنوات المناسبة لهؤلاء الذين لا يستطيعون تغطية الحاجات الأساسية للعيش الكريم، والعلاج والتداوي، كما أن من المهم النظر في أحوال إخواننا اللاجئين الذين نجوا من الحروب، ممن لا يمكنهم العودة لبلادهم في الوضع الراهن - كالسوريين واليمنيين والبورميين وغيرهم – لأن أغلبهم غير مشمول بجملة من الخدمات الحكومية بل والخيرية المختلفة، فجمعيات البرّ لا تقدم لهم – غالباً- أي دعم لأن حدود عملها وخدماتها مقتصرة على السعوديين المسجلين فيها والواقعين ضمن نطاقها الجغرافي.

إن "مكافحة التسول" كما أراها اليوم، مجرد هبّات مؤقتة، وحملات قصيرة المدى، لا تلبث أن تتوقف، لتعود جحافل المتسولين إلى مواقعها سالمة غانمة، وتبداً عملية الاستثمار التسوّلي مرة أخرى، ولا يكون الحل بمجرد انطلاق سيارات المكافحة فحسب، بل يفترض أن يتم التحقيق في وضع المتسولين، ودراسة الأمر من كل نواحيه، ومعرفة مسبباته، فذلك كفيل بإيقاف هذا المظهر المزري للأطفال الصغار الذين يلبسون تلك الملابس الممزقة، والنساء والفتيات اللواتي يقفن على الطرقات، وعند إشارات المرور، في وضع غير آمن لهم وغير آمن للمجتمع من حولهم، وإننا بحاجة إلى وضع حلول جذرية لهم تسدّ حاجاتهم، وتجعلهم يحجمون عن التسول طوعاً أو كرهاً.

وقد كنت – ولازلت- أقول : إن كان هؤلاء المتسولون محتاجون فعلاً، فلا خير فينا إن لم نقف معهم، وإن كانوا كاذبين فلا خير فينا إن لم نوقفهم.

إننا مطالبون كمجتمع بأن نقوم بواجبنا في كفّ المتسولين عن تسولهم من خلال إعطاء الفقير منهم دون الحاجة إلى ذلّ السؤال، ومن خلال منع المخادعين من استغلال مشاعر الرحمة فينا.

دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن

إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري

@bin_oshan

أبريل 18, 2019

عشر يقينيات لا تتزعزع - الجزء الثاني

في ظل واقع اليوم، ولجوء الكثيرين إلى التشاؤم قولاً وشعوراً، والخمول في الحماسة والأفعال، رأيت أن أتحدث  في مقال سابق - بعنوان "عشر يقينيات لا تتزعزع - الجزء الأول"- عن خمس يقينيات أراها دافعة نحو العمل، ومشعلة للحماسة التي انطفأت لدى البعض..وها أنا أكمل هذه اليقينات بخمس أخرى، متمنياً أن تكون ذات تأثير حقيقي، وأن تحقق الهدف المنشود منها.
* "لدي يقين لا يتزعزع" أننا اليوم لسنا بحاجة إلى المزيد من النقد، واللوم، والانتقاص، وبيان المثالب، بل نحن أحوج ما نكون إلى التحفيز الإيجابي، وبث الحماسة، وإشعال الأمل في النفوس لتحقيق النجاح، وأن نترك كل الأخبار والمثبطات جانباً، وأن نقاوم انتشار تلك الروح السلبية بالمزيد من نشر الإيجابية، ومباركة كل خطوة فعالة ولو كانت صغيرة ويسيرة، وأن تكون مهمتنا هي القبض على من تحت أيدينا وهم متلبسون بالنجاح، فنباركهم، ونشيد بصنيعهم، وندفع بهم للاستمرار.

* "لدي يقين لا يتزعزع" أننا لم نقم – حالياً - باستغلال كل الطاقات التي وهبنا الله إياها، ولم نقم كذلك بتوظيف كل طاقات الآخرين كما ينبغي، وأن في صفوف مجتمعنا من الرجال والنساء، والصغار والكبار من يحملون في ذواتهم طاقاتٍ عظيمة، وقدراتِ خارقة، أفكارٍ خلاقة، وأننا لو أشعلنا همتهم نحو الإيجابية، واكتشفنا قدراتهم ثم هيئنا لهم البيئة المناسبة للنجاح فسوف يمكننا تحقيق نجاحات مجتمعية كبرى.

* "لدي يقين لا يتزعزع" أن العمر مجرد (رقم)، وأن التذرع بالعمر هو وحيلة نفسية للهروب من المهمات ومن مواجهة الواقع، وإلا فإنه يمكن للصغير سناً تحقيق إنجازات يعجز عنها الأكابر، ويمكن للكبير الذي بلغ الأربعين والخمسين والستين والسبعين والثمانين أن يبدأ اليوم في العمل الفعال، ويحقق نجاحات مذهلة، أيا كان الرقم الذي يحمله ، فيحدث الصغير والكبير فارقاً عظيماً في تاريخ مجتمعاتهم، بل في تاريخ البشرية جمعاء، وأنه ليس لأحد أن يجعل من هذا الرقم عذراً للتخلي عن العمل، استصغاراً لنفسه او استكباراً لها، ولعل استعراض تاريخ الأمم والشعوب يثبت ذلك يقيناً.

* "لدي يقين لا يتزعزع" أن الانشغال بالبناء والتوجّه إليه أجدى وأهم وأولى من الانشغال بالهدم، وأن خير ما يعين على الوصول للهدف هو العمل بهذه الوصية القرآنية ( ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون)، فالانشغال بهدم المشروعات السيئة فقط، والاكتفاء بالتحيّز نحو موقف "الدفاع" فقط هو خطأ استراتيجي، وفي الحديث (ما غُزِيَ قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا)، فالبقاء في عقر دارك لمقاومة الهجوم على قيمك سيجعلك في الموضع الأضعف بكل تأكيد، خلافاً للمبادرة نحو المزيد من الأعمال المباركات حيث نصنع الفرق، ونحدث الأثر.

* "لدي يقين لا يتزعزع" أن مسئولية نشر الخير والهدى والرشاد، ومسئولية إصلاح الانحرافات المجتمعية، ومسئولية التحسين والتطوير، ومسئولية مقاومة الفساد بألوانه وصوره، هي مسئولية كل فرد، هي مسئولية شخصية بحتة، يحاسب عنها الفرد يوم القيامة وحده، ويجازى عنها نظير ما قدّم، وأن رمي المسئولية على جهة ما، أو على فئة الناس إنما هو حيلة إبليسية للكسل والخمول.
أرجو أن تكون هذه اليقينيات العشر - ومثلها كثير - دافعة لنا جميعاً لنبذ رداء الحزن، والخروج من دائرة التباكي، والانطلاق نحو الحياة والنجاح، وأن نكون أصحاب "فعل" لا "ردّة فعل" ، وأن نساهم فعلاً في إيقاد الشموع في ظلمات ومدلهمات الزمان.
تأمل ملياً في هذه النقاط، فإن وجدتها حقاً فالزمها، وتمثّلها في نفسك، وانشرها حيثما حللت، لعلنا أن نساهم سوياً في إشاعة روح من الدافعية نحو العمل والنجاح والإنجاز في مجتمعاتنا.

دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan

تم النشـر في صحيفة تواصل هـنـا

أبريل 10, 2019

عشر يقينيات لا تتزعزع - الجزء الأول

في خضم الأحداث التي تعصف بالمرء، وفي الوقت الذي ننغمس فيه في اللحظة -غير الإيجابية- الحاضرة، تسيطر علينا جملة من مشاعر التشاؤم والإحباط واليأس، والشعور بأنه ليس بالإمكان أن نصنع شيئاً ذا بال، وتصبح أعيننا، وأفكارنا، ونقاشاتنا، تدور - بشكل تلقائي - حول جوانب الإخفاق، وجوانب الخطأ، ونقاط الإشكال، ومواضع النقص.. كما تصبح لدينا - إذ ذاك - حاسة قوية لالتقاط كل شاهد ونموذج ومثال يؤكد نظرتنا السوداوية، ومع كل صورة جديدة نزيد من إعتام الواقع، ومن إعتام الصورة المستقبلية، فيصيبنا ما يشبه الشلل الذي يقعدنا عن أن نفعل شيئاً يمكنه أن يضيء الظلام - إن صح أننا نعيش في ظلام أصلاً -.


لهذا كان مهما أن نقوم بانتشال أفكارنا من أوحال التشاؤم إلى ضاف الأمل والتفاؤل، ليس من باب المخادعة أو التضليل، بل هي حكاية للواقع الحقيقي الذي نغفل عنه حين نركز على جانب واحد من جوانبه، فنضخمه ونكبّره وننفخ فيه.
ومن هنا فإنني أتحدث في هذه النقاط التسع عما أعتبره ( يقينياً)، بل هو من اليقين الذي لا يتزعزع مهما ادلهمت الخطوب، وظن البعض ظن السوء.

وبإمكان هذه اليقينيات – حين نستشعرها حقاً - أن تساهم في تغيير وجهة البوصلة، وتحول تفكيرنا من التشكي إلى العمل، ومن التلاوم إلى التغافر، وتدفعنا للانطلاق نحو الأهداف السامية التي نحملها تجاه ديننا ومجتمعنا، وها أنا أسوقها إليك ..

* "لدي يقين لا يتزعزع"  أنه لا زالت هناك فرص ضخمة ( جداً ) لتوظيف شبكة الإنترنت في خدمة هذا الدين العظيم، ونشره في العالمين، وتعليم العلم الشرعي لملايين البشر، وتوظيف كل التقنيات الحالية في ذلك، وابتكار الوسائل والبرمجيات والأدوات التي يمكنها أن تصنع ذلك، وأننا في الحقيقة  لم نقم باستغلالها بما يكفي، وليس ذلك تقليلاً من المبادرات الرائعة الموجودة، لكن لا زال هذا الكون الفسيح مفتوحاً لآلاف المبادرات التي يمكنها أن تجعل من الحلم واقعاً، ومن المستحيل حقيقة.

* "لدي يقين لا يتزعزع"  أنه لا زال أمام كل واحد منّا مئات السبل والطرائق والأدوات لتغيير ذاته نحو الأفضل، واستخدام طاقاته بما يحقق طموحاته، و بما يرضي الله عزوجل،  لو توفرت لديه الجدّية والعزيمة والبحث المستمر، وترك عنه المعاذير التي يعلّق عليها تقصيره، وينسب إليها إخفاقه وركونه إلى الدعة والراحة والفشل.

* "لدي يقين لا يتزعزع"  أننا إذا أحسنّا تربية بناتنا على العفة والحشمة والحياء منذ الطفولة، وغرسنا فيهن الاعتزاز بقيمهن، وعلمناهن بحبّ مبادئ هذا الدين الحنيف، وقيمه الأصيلة، ودوافعه النبيلة، ونصوصه الشريفة، وربيناهن على الاقتداء بأمهات المؤمنين قولاً وفعلاً، وجعلناهن الأنموذج الذي يحتذى، فإن كل جهود الشرق والغرب سوف تصطدم بثباتهن وأصالتهن وقوة انتمائهن، وسيتحولن من كونهن مستهدفات بالتغيير السلبي، إلى كونهن شعلاً مضيئة في مجال التغيير الإيجابي، والعودة بالمجتمعات إلى أصالتها وعراقتها وقيمها.

* "لدي يقين لا يتزعزع" أنه لم يفت الأوان بعد لإحداث التغيير والإصلاح في ذواتنا وفي أهلينا وفي مجتمعنا، وأننا اليوم أحوج مانكون إلى البدء، وأنه عوضاً عن التلاوم على تقصير الأمس، وعدم الانطلاق سابقاً،  فإن الواجب هو البدء الآن وفوراً بالتدارك لما مضى، ولما سيأتي، وأن أفضل وقت للبداية دوماً هو الآن، وليس بالأمس ولا الغد.

* "لدي يقين لا يتزعزع" أنه لا يمكن تحصيل النجاح والتميز والتفرّد إلا بالتعب والجهد والبذل، وأن قانون التبادل هنا واضح بجلاء، حيث ستتم مبادلة الكثير من الملذات وأوقات الراحة والسكون، بتحمل الصعوبات والمعاناة والمتاعب، وأننا حين نبقى على مانحن عليه، فلن نجاوز مكاننا، وسيكون الشيء الذي يتقدم - فقط - هو أعمارنا، أما أعمالنا وأحوالنا فستبقى كما هي إن لم تنقص.
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها * تنال الا على جسر من التعب

ولا زال للحديث بقية في مقال قادم أتحدث فيه عن خمس يقينيات أخرى بإذن الله تعالى.

دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan

أبريل 01, 2019

يا كتاّب المستقبل .. اقرأوا كثيراً

 تعتبر القراءة المكثفة، أحد الجوانب المهمة لمريد الكتابة، فمن شأن تلك القراءة أن تزود المرء بالكثير من المعارف والمعلومات والخبرات المتعددة والمتنوعة، والتي تجعله حين يكتب عن أحد الموضوعات التي قرأ فيها كثيراً ، فهو يكتب وقد تشبّع بالموضوع عقله، وأدرك بوعيه الكثير من أبعاده وخفاياه، فيكتب – حين يكتب – بثقة ويقين، وينهل من مورد عذب زلال وافر، لذا فهو يكتب بجودة وإتقان وتميّز في الوقت ذاته.

ولذا يقول العقّاد : "القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب" ، فالعمق مطلوب للكاتب المميز، والذي لاتعدّ مقالاته مجرد "أحاديث مجالس" تم تحريرها، بل معلومات وخبرات ومواقف تستحق القراءة فعلاً.

لهذا كان من دأب الكثير من الكتاب المشاهير أن يقرأوا كثيراً كثيراً قبل أن يكتبوا سطراً واحداً عن الموضوع الذي يريدون الخوض فيه، ذلك أنهم قد يكتشفون – وهم في مهمة القراءة المكثفة – أن ثم كتابات ناضجة سبقتهم، وغطّت ماكانوا يريدون قوله وزيادة، وربما كشفت لهم القراءة عن ثغرة مهمة تجاهلها كتّاب آخرون، أو يجدون أمراً لا يصلح السكوت عنه، وخللاً يجب بيانه، فتكون كتابتهم – والحالة هذه- قيمة مضافة يحتاجها القارئ، ويبحث عنها.

وتساهم القراءة المكثفة في زيادة الرصيد اللغوي للكاتب، فيتعلم منها الكثير من المفردات والأدبيات المقبولة والمفهمومة في هذا المجال، ويستكشف المواضع التي تكون فيها الكلمة أكثر تأثيراً، بل ويلاحظ المفردات و الجمل والسياقات الأضعف، والأكثر استهلاكاً.

وتعطي القراءة المكثفة الكاتب خبرة واسعة في مجال تنوع الأساليب الكتابية، سواء كانت في الصياغة أوالتبويب، أو في مجال طريقة التدفق للمحتوى، وآليات الإقناع ونحوها، كما يلاحظ - وهو يقرأ- حجم الفروقات الفردية غير المتناهية في طريقة إيصال المعلومات ومناقشتها بين الكتّاب المختلفين، ويتعلم من ذلك كله كيف يخط له مساراً رائداً متميزاً في الكتابة.

وتجعل القراءة المكثفة الكاتب مدركاً للموضوع من جوانبه المختلفة، فمن اليسير عليه استحضار نقاطه الرئيسة وخطوطه العريضة في نص موجز، أو مفصّل، مما يجعله قادراً على كتابة مقالة قصيرة تتحدث عن أبرز ما يمكن أن يقال عن الموضوع المقصود، فتكون كتابته حينها وافية وشافية وموجزة حين يحتاج الأمر إيجازاً.

بل إن أحد أساليب الاعتياد على الكتابة، وإزالة عسرها، وتجاوز مرحلة الخمول واضع فيها أن يقرأ المرء كتاباً في أحد الفنون، ثم يستعرض أبرز أفكار الكتاب وتقييمه الشخصي لها، ومرئياته عن الكتاب والكاتب، ويجعل ذلك كله في مقالة غير طويلة، فإن هذا النوع "اليسير" من الكتابة يجعل القلم يجري على الورق بسهولة ويسر، مما يضمن انطلاق عجلة الكتابة، وإعادة الحياة إلى اليد والعقل في مجال الكتابة شيئاً فشيئاً، وحين تنطلق العجلة بكفاءة وسرعة، فيمكن لها – حينها- أن تكتب عن موضوعات أخرى مختلفة، ويستعيد الكاتب لياقته من جراء ذلك.

إن القراءة المكثفة أداة موثوقة فعلاً لتكوين المخزون المعرفي الذي ينطلق بعد ذلك ويحلق في سماء الإبداع النصي من خلال الكتابة، لذا نقل عن علي الوردي – الكاتب العراقي الشهير- قوله: "ويل للقراء من أولئك الكتاب الذين لا يقرأون"، وصدق في مقولته.
وختاماً فإنني مهما تحدثت عن أهمية القراءة ومسيس الحاجة إليها، فإنني لن أوفيها حقها من الثناء، ولا بد من الاعتراف هنا بأنك ( لن تكون كاتباً جيداً مالم تكن قارئاً جيداً).

دمتم بخير ،،،
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan

تم النشر في صحيفة تواصل هنـــا


أبريل 01, 2019

العمل المؤسسي في العائلة | أحمد الفايز

أ. أحمد بن عبدالعزيز الفايز

بات العمل للأسرة، والسعي لنيل الشرف بركابه هاجساً لدى فئات كثيرة من الناس وتعددت وسائله نظراً لتعدد المجتمعات وقطاعاته المدنية والأهلية فضلاً عن ا لحكومية
وكانت بداية الدعوة المحمدية بقوله (وأنذر عشيرتك الأقربين) مقترنة بقوله عليه الصلاة والسلام: (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه )) رواه الترمذي.
والمتأمل لحال الكثير قديماً وحديثاً تجد لديهم نشاطاً في عشيرته وأهل رحمه إلا ما ندر ممن أختل عنده فقه الأولويات، والجمع بين الحسنين ، لذا كان من المستحسن أن ينطلق العامل وفق عمل  يرسم أهدافه وينفذها ليقطف ثمارها في الدنيا بلذة النجاح وفي الآخرة بالفلاح ، ، ، وإليك أيها القارئ الكريم خطوطاً عريضة في ملامحه.
1/ تعريفه:
   هو نظام يتجه نحو تحقيق الأهداف وفق علاقة مترابطة في وحدات إدارية ذات خطوط محددة وقيم تضمن الاستمرار والنمو.

2/ أهميته:
2 / 1  يحقق ضمان الاستمرارية في الأداء:
  فكثير من الأعمال والبرامج التي يقوم بها العاملون في محيط عوائلهم لا تتجاوز ردود أفعال أو عواطف إيمانية أو تفرغ يتأتى بين حين لآخر أما العمل المؤسسي فهو عبارة عن منظومة ونظام يلزم العامل بالعمل ويتابع استمراره ويحاسب على التقصير في أدائه فضلاً عن إهماله ، عبر لجان محددة الاجتماعات وجداول عمل مسبقة التدوين .

2 / 2 يساعد على تقييم الأداء ومن ثم تقويمه:
فمن الطبيعي لكل عمل أن يصحبه كثير من الإخفاق وعقبات الفشل لكن العمل المؤسسي يراجع أعماله ليقيمها فيعرف نقاط القوة فينميها ويزيد في تفعيلها ونقاط الضعف فيصوب ما يناسب التصويب أو يعدل أو يستبدل وهكذا …. (شعاره أن الفشل خطوة نحو النجاح).

2 / 3  يوزع المهام والتكاليف :
وهذا أكبر معوق يشتكي منه كثير من العاملين وهو قلة المعين بينما العمل المؤسسي يضع الوصف الوظيفي لكل عامل ويحدد له المهام ويمنحه الصلاحيات مصحوباً بالمساندة والتحفيز المستمر ، مثال :

مهمات اللجنة الثقافية  :

إعداد مفكرة خاصة بالبيانات الأسرية لبيوت العائلة وتحديثها دورياً.
خدمة العائلة إعلامياً وتعزيز علاقتها بالأسر الأخرى.
إصدار مطبوعة دورية تعني بشؤون العائلة.
رعاية موقع العائلة على شبكة الإنترنت وشبكات التواصل والعمل على تطويرهما وتحديثهما
إصدار مفكرة دورية لبيانات وهواتف أفراد العائلة.
متابعة ما يخص شجرة العائلة وتحديثها دورياً.
الترتيب لعمل برامج متنوعة خلال  الملتقى السنوي العام.
تنفيذ مجموعة دورات متخصصة في التنمية البشرية وتطوير الذات والعلاقات الأسرية ونحوها.
ترتيب بعض المناشط التي تخدم الجانب الثقافي للعائلة.
تكريم المتفوقين والمتفوقات من الطلاب و الموظفين وأصحاب الإنجازات المتميزة.
الاحتفاء بالمتزوجين والمتزوجات من أفراد العائلة.
ترتيب رحلات خاصة بالشباب والبراعم من أبناء العائلة.
إقامة المسابقات والمنافسات (الثقافية ، القرآنية ، الرياضية ، الاجتماعية) بين أفراد وفروع الأسرة
إطلاق قروبات التخصص والميول (واتس أب) مما يسمى دوائر الاهتمام كقروب الدراسات العليا وآخر في اختيار التخصص الجامعي وثالث للباحثين عن عمل … وهكذا

2 / 4  يزيد من اكتشاف الطاقات :
 في المحيط العائلي الكبير وفي التجمعات الاجتماعية لا يمكن التعرف على الكوادر ومن ثم تطويرها وبالعمل المؤسسي ستجد أنك بحاجة إلى العشرات من الشخصيات التي تناسب المهام المحتاجة مما يتيح له ميدان عمل وتجربة يخفق فيه عدد وتلمع فيه نجوم يزيدها الزمن بريقاً ولمعاناً .

2 / 5  يحقق مفهوم العمل الجماعي وروح الفريق الواحد :
فرأي الواحد مهما كان ثاقباً فهو أقل درجة من رأي الاثنين فضلاً عن الجماعة مما يضمن صواباً في العمل وقبولاً لدى المتلقي وتبعة أقل ويكفي فيه بركة ( وتعاونوا على البر والتقوى ). فكل قرار لم يصدر برأي جماعة تمَّ اتخاذه عبر اجتماع منظم فهو غالباً مرتجل محفوف بالخطأ.


3/ آليات العمل المؤسسي:

3 / 1  وضع النظام واللوائح ومتابعة تنفيذها

رسم الأهداف بشكل دقيق وواقعي :
فمن الضروري كتابة الأهداف وتحديدها بشكل واضح وفق الضوابط التالية:
* الواقعية في التطبيق
* مراعاة الظروف الاجتماعية ونحوها
* بعيدة النظر
*  تعني باستمرار العمل لا قيامه فقط / مثال :
          1- التعارف المؤدي إلى صلة الرحم
         2- التكافل الاجتماعي بين العائلة
         3- نشر الخير بين أفراد العائلة

صياغة النظام الأساسي واللوائح التنفيذية:
فالنظـام يحدد اختيار مجلس الإدارة وتكوينه والهياكـل وطرق اتخاذ القرار واجتماعاته (وهي معدة لدى كثير من العوائل)أما اللوائح التنفيذية ففيها تحدد اللجان العاملة  والوصف الوظيفي مع المهام المناطة بها والصلاحيات الممنوحة لها كاللجنة الثقافية، والعلاقات العامة، والزكاة، والمالية، وحبذا أن تمنح هذه اللجان صلاحية إقامة لجان فرعية كلجنة الشباب والإعلام ونحوها ضمن اللجنة الثقافية.

المتابعة المستمرة:
فالتنظير كثير من يحسنه لكن التنفيذ ومتابعة التنفيذ قلة من يتقنه فالمتابعة المستمرة بالأساليب الآتية تضمن استمرار العمل العائلي:

* الاجتماعات المجدولة والدورية

* المشاركة في المهام مع الآخرين إذا دعت الحاجة

* التحفيز للعاملين

* التواصل في تنفيذ المهام

* القدوة العملية فتقديم النموذج العامل الذي يحتذى به أكبر أسلوب للمتابعة

3 / 2   العناية الفائقة بالأفراد :  
* تحديد الوصف للعامل
* البحث في الشخصيات ذات الصفات المناسبة
* حسن الاستقطاب والإقناع
* التدريب بشتى طرقه الفردية والجماعية
* التحفيز المستمر
* التركيز على الصف الثاني لكل عامل

3 / 3   وضوح الجانب المالي وأثره الملموس في العائلة :
        المال عصب الحياة ووسيلة من أهم وسائل العمل العائلي لذا فإن من ركائز العمل المؤسسي في العائلة أن يتحلى بالآتي:
* الشفافية والوضوح في الواردات والمصروفات
* إيجاد الموارد المالية والتركيز على الدائم منها ولو قلَّ ومنها
                - الاشتراك السنوي للموظفين
                - التركيز على أهل اليسار في العائلة
                - الاستثمار المنضبط ونسبة حصول الأرباح فيه عالية ولو قلت نسبة الربح
                - تفعيل الزكاة

 4/ أسلوب إدارة العمل:
4 / 1  الانطلاق من الخطط :
فالنشاط عندما تحدد برامجه المنبثقة من الأهداف الأساسية ويحدد زمن تنفيذها ، والتكلفة المالية ، والشخص المسئول ، ينظم ويسهل التنفيذ ويقيس الأداء ويستقيم التقويم.

4 / 2  تنظيم العمل:
     العمل المؤسسي من أولوياته خط سير الإنتاج بطريقة انسيابية تجدد فيه الاجتماعات بشكل دوري لكل مجلس ولجنة ومكان الاجتماع وترسم جداول الأعمال من الأمين مسبقاً وتعد الأوراق المطروحة للنقاش قبل الاجتماع ليتم استيعاب الأفكار ويتخذ القرار بكل سهولة وعلمية محكمة يدون خلالها الأمين القرارات ويتابع بعد الاجتماع المتابعات التي تم تكليف الأفراد بها .

4 / 3 الرئيس القائد :
فلكل عمل رجاله فوجود الشخصيات التي تتمتع بالقيادة العائلية التي من أهمها :
* الجوانب الشخصية في القيادة  كالتفكير السليم والحكمة وإدارة الأفراد ونحوها .
* التفاؤل فالعمل العائلي بحاجة كبيرة إلى المتفائلين لأنه يتعامل مع شريحة متفاوتة التكفير والطبقات وعيون نافذة لأن الأمر يعنيهم فهو يعمل باسمهم لذا ينبغي أن لا يتطرق له اليأس والإحباط.
* التحفيز المستمر للعمل والعاملين بأساليبه المختلفة.
* القبول في العائلة علمياً ووظيفياً ومكانه في العائلة، ولباقة في التعامل والحديث.
* الوضوح والشفافية.
* العناية بالأفراد في العائلة عموماً وحضور المناسبات الاجتماعية والعاملين خصوصاً .
* التطوير الذاتي المستمر.
هذه لمحات لعمل مؤسسي في النشاط الأسري اشتملت على الأركان الأساسية للعمل المؤسسي

وبالله التوفيق


Fayz47@hotmil.com