مارس 21, 2019

الغلوّ في الاستدامة

الاستدامة لفظ رنان، وكلمة تصلح للتشخيص بها في أي عرض يتم تقديمه، أو فيلم أو تقرير أو نشرة تعريفية، فالقارئ للفظ كهذا يشعر أنه يتعامل مع جهة تحيط بالمستجدات المعاصرة، وأنها منظمة عصرية مدركة لواقع العمل المحلي والدولي.

و مفهوم الاستدامة في أصله كبير وواسع جداً، إذ يشمل كل نواحي الحياة، وإن كان في الأصل "مصطلح بيئي" يتناول أساليب ضمان الحفاظ على استمرارية الموارد الطبيعية، وعدم الإخلال بها من خلال الممارسات الخاطئة.

وتستخدم عبارة "الاستدامة" في القطاع غير الربحي، لتصف المنظمة القادرة على الحفاظ على نفسها على المدى الطويل ، مما يديم قدرتها على الوفاء بمهمتها، وهي تشمل "استدامة المورد البشري" من حيث التخطيط لتعاقب القيادات، والإبقاء على الطاقات البشرية، واستمرارية تواجد الأكفاء في المنظمة، كما تشمل القدرة على التكيف مع المتغيرات النظامية والاجتماعية، بالإضافة إلى التخطيط الاستراتيجي الذي تسعى فيه المنظمة لمعرفة واقعها الحالي، ووجهتها المستقبلية، والمخاطر والفرص التي تواجهها، كما تشمل : "الاستدامة المالية" والتي تعرّف بأنها (الحالة المالية التي تكون فيها المنظمة قادرة على الاستمرار في تحقيق رسالتها الخيرية على المدى الطويل)، وأن تعرف المنظمة تكلفة برامجها وخدماتها وأنشطتها المختلفة بما يمكّن من جمع الأموال الكافية لتغطية تلك الأعمال.

ولا شكّ أن السعي لاستدامة الأعمال النافعة مطلب نبيل، وهدف جميل، غير أن المبالغة في أي شيء تنقلب إلى ضدّه، فيصبح الحسن من جراء المبالغة غير حسن.

ووفقاً لما رأيته في السنوات الأخيرة من ممارسات، فقد رأيت تطرفاً ومبالغة وإكثاراً من الحديث عن مفهوم "الاستدامة" في القطاع غير الربحي، وإقحام هذه المفردة في كل موضع، كما رأيت ردّة فعل غير متزنة وإفراطاً في التوجه نحو "الوقف" باعتباره النموذج الأوحد للاستدامة! وانصرافاً عن المشروعات الحقيقية التي يحتاج إليها المجتمع تحت ذريعة أنها تنفذ ثم تنتهي فلا يستمر تأثيرها!

وبات لدى (بعض) العاملين في القطاع توهّم بأن الموارد المالية ربما تنضب، وأن التبرعات ربما تتوقف، وبناء عليه فيجب العمل على إيجاد (أوقاف استثمارية) تغطي كل مشروعات الجهة دون الحاجة إلى التبرعات، مع شعور بأن الزمن يمضي فلا بد من استنفار الجهود!

وهذا الوهم مبني على مجموعة من المقدمات الخاطئة ومنها :

أولها : أن (التبرع) عملية مؤقتة وسوف تتوقف يوماً ما، فلابد من التدارك، مع أن تاريخ البشرية كله يؤكد أن العطاء والتبرع هو جزء من الطبيعة الإنسانية، وأن التبرعات مستمرة رغم كل الظروف والمعطيات.. وأن توقع التوقف هذا مخالف للتاريخ والواقع.

وثانيها : أن (ضمان الموارد المالية) للجهة غير الربحية مهم جداً في كل الظروف لأجل تأدية رسالتها بجودة وإتقان، والواقع يثبت أن مجرد ضمان الموارد المالية غير كاف في ضمان قيام العمل، ولا جودته، ولا تأثيره، بل ربما أدى ذلك الضمان إلى صرف الكثير من الأموال في مشروعات لا تلامس الاحتياج الفعلي، وأن من العوامل التي تضبط الأداء وتدعو لفعاليته هو التواصل المستمر مع المتبرعين، الذين هم جزء من المجتمع، يدركون تأثير هذه الجهة أو تلك، ويقررون بناء على النتائج مدى الحاجة لاستمرار الدعم أو إيقافه.

وثالثها : أن مرور السنين يجعل الناس يحجمون عند دعم الجهة غير الربحية ويبحثون عن جهات جديدة، والحقيقة أن مرور الزمان هو عامل توثيق للجهة، ودليل تزكية لها، شريطة أن تكون منظمة متجاوبة مع الاحتياج، مرنة في التغير وفق المستجدات، ذلك أن المتبرعين متى شعروا أن الجهة لا تعمل في مواقع الحاجة، أو لا تتجاوب مع الاحتياجات الجديدة للمتبرع والمحتاج، فمن الطبيعي أن يبحثوا عن جهة (جديدة) تشبع رغبات المستفيدين.

إن الإفراط في إنشاء الأوقاف التابعة للجهات غير الربحية يدفع بمئات الملايين من الريالات نحو التجميد في عقارات هنا وهناك، وهو تجميد طويل المدى للكثير من الأموال المتوفرة بأيدي المتبرعين، وهو يتضمن تأجيلاً لإنفاقها في المصارف الآنية الأكثر حاجة، مع مسيس حاجة الناس إليها، وهو حرمان للمستفيدين الحاليين بانتظار مستفيدين في المستقبل البعيد!
هذا فضلاً عن ورود احتمالات متنوعة حول مدى نجاح الجهة في تحديد نوع ومكان وكيفية (الوقف)، وجودة الاختيار أو الإنشاء، وجودة إدارته، وتبعات ذلك كله على الجهة لأنها – والحالة هذه - تعمل في مجال وتخصص خارج عن نطاق تركيزها وتخصصها الدقيق.

وختاماً،
فإنني أشيد بالرجال الباذلين أوقاتهم وجهودهم في المشاريع الوقفية، والذين يعملون – دون ريب- بنوايا طيبة، ومقاصد حميدة، وهم مشكورون مأجورون بإذن الله، وأهمس في آذانهم قائلاً: إن إنفاق المال مباشرة على أوجهه المشروعة أولى من تكديسه للاستثمار، وأن مهمة الجهة غير الربحية تكمن في (الإنفاق) وليس (الاستثمار)،  وتذكّروا – يا أحبتي - أن النبي ﷺ حين بعث معاذا إلى اليمن أوصاه، فقال في وصيته التي أخرجها الشيخان (أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم)، فليكن دور الجهة غير الربحية – إذاً - إيصال تلك المبالغ إلى مصارفها وفق الأولى و الأحوج، وليس استثمار تلك الأموال ثم إعادة إنفاق ريعها على مصارف الخير.
دمتم بخير،،،

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan



نشــر في صحيفة تواصل من هنـــا

مارس 20, 2019

النشاط الأسري وعوامل النجاح | الفايز

بات الاهتمام بالأنشطة العائلية واجتماع الأسر ظاهرة اجتماعية طيبة ومظهر من مظاهر القربى، وهو قاسم مشترك ويهم كل عائلة لها نشاط وتطمح للرقي والتطوير وتنشد النجاح المستمر، فإذا تحققت هذه العوامل بعد توفيق الله وتسديده تقلبت الأسرة في نجاحات متتالية وارتقت إلى مراقٍ عالية وهي على النحو التالي:


* ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى في بذل الوقت والجهد والمال، فأيما أمر لا يراد به وجه الله يضمحل، فالعمل الأسري من أبر الأعمال وأكثرها أجراً، فالأقربون أولى بالمعروف.

* سؤال الله الإعانة والتوفيق “والقبول” فمن أعجب بنشاطه واعتمد على قدراته وُكل إليها:
وإذا لم يكن من الله عون للفتى   فأول ما يقضى عليه اجتهاده

* العمل المؤسسي المنظم من خلال تشكيل الجمعية العمومية التي بدورها تختار مجلس الإدارة، والمحدد بنظام يوضح المهام والصلاحيات وآلية الاجتماع، واتخاذ القرار وأسلوب العمل المتبع واللجان المشكلة وتنوعها.

* التخطيط وتحديد الأهداف المنبثق منها البرامج مزمنة التنفيذ ومحددة المنفذ وميزانية كل برنامج.

* الاهتمام بالعمل الجماعي والابتعاد كلياً عن الاجتهادات الفردية والمبادرات غير المدروسة عبر اجتماعات فرق العمل (اللجان) والمعتمدة من مجلس الإدارة.

* تفعيل الطاقات وإشراك القدرات وخصوصاً النساء والشباب فكل عائلة مليئة بالكوادر، لكن حسن الاستقطاب والتحفيز المصحوب بالتأهيل ومنح الخبرة له أكبر الأثر.

* حمل الراية: إن وجود القادة في العائلة الذين يحملون رايتها في كل حين وزمان ويغذون العاملين بالحماس والتوجيه هم عماد النشاط وشعلته التي لا تكاد تخبو، فكلما فتر أحد العاملين تابعوه، وإذا تذمر واشتكى واسوه وإذا اعتذر استبدلوه في توارث للعمل وتحفيز مستمر، فهم الذين قال عنهم المصطفى عليه الصلاة والسلام: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة واحدة).

* التركيز على بعض وسائل النجاح مثل:
1- انضباطية اجتماع اللجان، ومجلس الإدارة، ومتابعة القرارات وتنفيذها.
2- العناية بالجانب الإعلامي كالمجلة والموقع الإلكتروني، وحسابات التواصل الاجتماعي ونحوها.
3- استمرار التجديد وطرح البرامج، فالناس ترى أن البقاء على النجاح هو ضعف وتراجع.
4- تفعيل النشاط النسائي فالمرأة لها دور كبير، وتزرع الولاء في الجيل القادم، وتساند الزوج النشط والأب الفاعل والأخ المبادر، وتشترك الأسرة بجميع أفرادها تحت سقف واحد وهدف واحد وحبذا أن تكون إدارتهن منهن لا الوصاية عليهن بإنشاء لجنة نسائية لها مهامها وصلاحياتها وخططها المعتمدة من مجلس الإدارة.
5- وجود الداعمين والمتبرعين وتفعيل اللجنة المالية بإيجاد وسائل تفعيل الاشتراكات العائلية بطرق تمويلية واستثمارية تعود على العائلة، فالمال عصب الحياة.

وبالتأمل في بعض أنشطة العوائل المباركة نجد أن بعض النقاط حققتها، ولله الفضل والمنة، فلنستكمل المتبقي ونضيف عوامل نجاح وتطور فالإيجابية الاستمرار على النجاح وتطويره.


بقلم : أ. أحمد بن عبدالعزيز الفايز

مارس 17, 2019

مواد الزمالة الأوروبية العربية في إدارة المنظمات غير الربحية


التحقت في عام  2018م  ببرنامج (الزمالة الأوروبية العربية في إدارة المنظمات غير الربحية )، وحيث أتيحت جميع المواد على اليوتيوب، فإن بين يديك فرصة (مجانية) لمشاهدة كل حلقات المواد التي تمت دراستها.. وكأنك حاضر بنفسك في القاعة التدريبية.
وسوف أسوق هنا روابط المقاطع المرئية لتلك المواد التعليمية والتدريبية.
كما أنني أنصح المهتمين بأخذ نسخة من هذه المادة في أجهزتهم الشخصية تحسباً من فقدان المادة أو حذفها لأي سبب كان.

المقرر الأول (المجتمع الخيري والأوقاف) - د.يوسف الحزيم . 

المقرر الثاني ( القيادة والحوكمة)

المقرر الثالث  (التخطيط والمراقبة والجودة) -  أ.طارق السلمان

المقرر الرابع (الموارد البشرية) - م. موسى الموسى

المقرر الخامس  ( الإدارة المالية) - د. علي الفوزان 

المقرر السادس (العلاقات العامة ) - علي العجمي

مارس 14, 2019

رثاء هيلة العوشن

 أبيات في رثاء الفقيدة ، الخالة : هيلة بنت إبراهيم العوشن رحمها الله رحمة واسعة، والمتوفاة في 1 - 7- 1440هـ
بمدينة الرياض، وهيلة جارتنا منذ خمسين عاماً، لم نرى منها ولم نسمع إلا كل قول طيب جميل، وبذل، وتعاطف، واهتمام، ودعوات طيبات..رحلت بعد معاناة مع المرض، وفاضت روحها بعد عصر الجمعة الأول من شهر رجب .

مضت هيلة نحو الإله وكلّها * 
خشوعٌ وإخباتٌ وقولٌ مطيّبُ

مضت في هدوءٍ بل سكونٍ وهدأةٍ * 
مضت وهي تدعو الله، واللهَ تَطلُبُ

وتحمد ربي في المسرة دائماً * 
وتحمده في الكرب، والحمدُ يُكتب

لقد جَاوَرتنا منذُ خمسينَ حجة * 
فما طالنا منها أذىً يُتجنّبُ

ولكنها أهلٌ لكلِّ فضيلةٍ * 
ومِن كفّها تلكَ العطايا تَصَبّبُ

حديثُكِ يا أمّاه، وردٌ وأزهرٌ * 
ولفظُكِ ريانُ الشعورِ مُحَبـّبُ

وعطفُكِ بالجيرانِ والأهلِ ظاهرٌ* 
ولُطفُكِ لُطفٌ واضحٌ ومسببُ

لأنك ربُيّتي على خير هيئةٍ * 
فأكرم ببنتِ العمِ أصلٌ ومنسبُ

لإن غربت شمسٌ لأم محمّدٍ * 
فإن لها في القلب ماليس يغربُ

لها دعوات في السجود تخصّها * 
لها ذكرها الفواّح بالفضل يطربُ





مارس 12, 2019

التحدي العائلي



في دورية نصف سنوية لشباب العائلة في أحد الأسر بالرياض، اعتاد أولئك الشباب على الحضور في كل لقاء باعتباره واجباً أسرياً وصلة للرحم، ومجاملة اجتماعية، وكانت الأحاديث الجانبية سيدة الموقف، فهي النمط المعتاد في المناسبات السابقة كلها، ولأن العدد كان كبيراً فقد اعتاد كل واحد من هؤلاء الجلوس إلى من يعرفه جيداً، فيمضي ساعات اللقاء في الأحاديث البينية، وينتهي بالدخول إلى صالة الطعام حيث يتفرق الكثيرون بعد نهاية المناسبة.

وفي يوم مختلف، رغب أحد المشاركين المبادرين أن يصنع شيئاً مختلفاً وأن يوجد من الصلة بينهم ما يعيد للمناسبة روحها ووهجها، فأعلن عن مكافأة مالية مجزية لمن ينجح في التحدّي!، فحدّق الحضور به جميعاً، وسكتت أصوات الهمس التي كانت تعمّ المجلس، وأصغوا أسماعهم لحديثه..

فقال لهم : هذه المكافأة الضخمة ستكون من نصيب من يستطيع أن يخبرنا بالوظيفة التي يشغلها كل واحد من المشاركين في هذا اللقاء، فتلفّت القوم يمنة ويسرة، مؤملين أن يكون هناك من يبادر ويفتح الباب للسباق نحو تلك الجائزة.. غير أن الصمت عمّ المجلس، ولم تعد تسمع إلا همساً، فلم يتمكن أحد منهم من البدء لعلمه بأنه يجهل وظائف الأغلبية، ولأنهم يدركون أن هذه العلاقة هي علاقة سطحية فحسب، وحين فشل الجميع في هذا التحدي تحدّث المبادر عن حجم الصدمة في وجوه الحاضرين..

 ثم انطلق إلى مبادرة أخرى حيث طلب من كل واحد منهم أن يعرف بوظيفته والجهة التي يعمل فيها بإيجاز، وكانت التعريف بمثابة صدمة أخرى لعدد منهم، ففي الوقت الذي ظن فيه الكثيرون أن أغلب الحضور كانوا من "المعلمين" فقد استبان لهم أن المعلمين في المجموعة لا يجاوزون الثلث، وأن البقية في وظائف متفرقة ومتفاوتة وجديدة على مسامعهم.

وقد نتج عن هذا التعارف تعديلاً وتغييراً في مسميات بعضهم البعض في جوالاتهم، إذ تمت إضافة جهة العمل كعنصر رئيس في المعلومات الشخصية، بل لقد اشتكى بعضهم من معاملة متأخرة له في أحد الجهات، فإذا به يكتشف أن قريبه يعمل في تلك الجهة، فتواصلوا بشأنها، واتفقوا على المتابعة سوياً لإنجازها وفقاً للأنظمة المتبعة.

واكتشف آخرون أن هناك قطاعاً يجهلونه تماماً، فسألوا صاحبهم عن هذا القطاع وطبيعته، ومهامه، والصعوبات التي تواجهه، والفرص المتاحة فيه، وتعلموا الكثير عنه.

واكتشف بعضهم أن جملة منهم يعملون في قطاع واحد، متعدد الفروع، وبعضهم أكثر خبرة من بعض، فتواصلوا بهدف تطوير خبراتهم في مجال الاختصاص.

وعرف الحاضرون أن من بينهم من يمكنه تقديم دورة تدريبية للبقية لمسيس حاجتهم للموضوعات التي أخبرهم أنه يدرب عليها، وأشار بعضهم إلى خبرته في المشتريات من بضائع محددة يحتاج إليها عدد منهم، فطلبوا منه أن يعطيهم من خبرته وتخصصه.
ووجد الحاضرون الأقارب أنفسهم وهم يعيدون اكتشاف أقاربهم، ويقوون صلاتهم، ويخدمون أنفسهم وأقاربهم.

وأدركوا حينها أنهم موعودون بالكثير من الفائدة والدهشة في آن، وأن اللقاءات التالية ستكون مختلفة كلياً عن كل ما سبقها، وأن مبادرة واحدة من أحد الحاضرين – كهذه المبادرة- من شأنها أن تقلب هذه المناسبة التي كانت كأنها مجلس عزاء صامت، إلى حال آخر وكأنها حفلة عرس عامرة..

ما أحوجنا في هذا الزمان لتقوية الصلات الاجتماعية – بعيداً عن التعصّب والعنصرية- وتوثيقها، وإقامة المناسبات العائلية المختلفة التي تحقق صلة الرحم، والخدمات المتبادلة من خلالها، وما أحوجنا إلى ابتكار وتطبيق الكثير من المبادرات الذاتية لتقوية الصلة بين ذوي الأرحام، وترغيبهم في الحضور والتفاعل الإيجابي مع بعضهم البعض.
فما أنتم فاعلون؟
دمتم بخير.
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan

مارس 11, 2019

التناغم | "المختلفون".. حين اتفقوا على العمل سوياً

تحدثت في مقالٍ سابقٍ عن أهمية اتفاق المختلفين على العمل في النقاط المشتركة المتفق عليها بينهم، وفقاً لمبدأ "التناغم"، باعتباره أسلوباً راقياً في العمل بين المختلفين، يحقق الأهداف المشتركة ويوحّد الجهود المختلفة، بهدف تحقيق المصلحة للمختلفين، دون الخوض في نقاط الاختلاف، ودون تضخيمها أو تجاهلها، أو الركون إليها.
فالتناغم هو بإيجاز شديد (العمل المشترك في القضايا المتفق عليها بين الأطراف المختلفة فيما بينها).

وقد ختمت مقالي السابق بالإشارة إلى أن "التناغم" أمر يقضي به العقل السليم، والتفكير السوي، وأن كثيراً من المجتمعات الناضجة اليوم، تعمل وفقاً له، حيث يعمل المختلفون سوياً، فيحققون نجاحات كبرى على أرض الواقع، لم تكن لتتحقق لولا العمل وفقاً لـ(نقاط الاتفاق).

ولأن البعض يرى ذلك ترفاً وتنظيراً ليس له من الواقع نصيب، فإنني أعرض هاهنا بعض النماذج الواقعية لـ "التناغم"، لعلها أن تكون ملهمة للتفكير الخلاق في هذا السياق، كلٌ حسب حاله وأوضاعه.

وأول هذه الأمثلة الحيّة : "الاتحاد الأوروبي"، ولست بصدد الخوض في تفاصيل التجربة والحكم عليها، لكن الأمر المؤكد هنا أن ثمة خلافات غير قليلة بين دول الاتحاد الأوروبي المتفاوتة في لغاتها، وأعراقها،  ومساحاتها الجغرافية، ومستواها الاقتصادي، وقوتها السياسية، وطبيعة النظام الذي تعمل وفقاً له، والثقافة السائدة، وقائمة الأعداء والأصدقاء، ومصالحها المختلفة، فضلاً عن الخلافات في المواقف تجاه جملة من القضايا العالمية، والإقليمية، وتاريخها السابق المليء بالحروب البينية، ومع ذلك كله فثمّة "اتحاد " قوي يجمع تلك الكيانات (المختلفة)، ويوحّد مواقفها، ويوفّق وينسق بين إجراءاتها، ويعتمد عملة موحدة لكل دولها، فضلاً عن إتاحة التنقل بين دولها دون أي قيود.

وتدرك الدول الأعضاء حجم الاختلافات فيما بينها، والتي يعدّ بعضها متأصلاً ومغرقاً في الماضي، لكنها تدرك كذلك أنه برغم كل ذلك الخلاف والاختلاف، فإن هناك نقاطاً غير قليلة يمكن الاتفاق عليها، وتحقيق مكاسب كبرى من جراء العمل عليها، مع الإقرار والاعتراف بنقاط الخلاف، ولهذا انطلقوا من خلال هذه الرؤية الإيجابية للعمل معاً وإيجاد هذا "التناغم" الفعّال فيما بينهم، وحقق الاتحاد الأوروبي من جراء ذلك قوة سياسية واقتصادية وثقلاً في العالم، وبات مرهوب الجناب، يحسب له ألف حساب.

وفي نطاق أضيق، يمكن الحديث عن دولة العدو الصهيوني، "دولة يهود"، إذ تتواجد في دولة الاحتلال جملة من الطوائف والمذاهب اليهودية المتباينة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كما توجد فيها المنظمات المتطرفة، والمنظمات والأحزاب العلمانية المتحررة، ورغم كل خلافاتهم، وتباين وجهات نظرتهم، وتفاوت تديّنهم، (بأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ  تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) فبرغم هذا الخلاف المقرر في القرآن، إلا أنهم استطاعوا العمل "معاً" في منظومة سياسية واحدة، وتمكنوا من توحيد مواقفهم تجاه القضايا الرئيسة التي تخدم دولتهم ومجتمعهم، وقاموا بالعمل عليها بشكل توافقي طمعاً في تحقيق مكاسب مشتركة.

إن هذين المثالين – وغيرهما كثير- يدعواننا للتفكير الجاد أفراداً وجهات، شعوباً وحكومات، مثقفين وعامّة في كيفية التركيز على (اكتشاف نقاط الاتفاق) فيما بيننا، وإعمال الذهن في ذلك.

وعلينا أن نقوم مثنى وفرادى وجماعات، فنتأمّل ونتفكّر في المختلفين عنّا وهم معنا في ذات المجتمع، ثم نتساءل: ماهي نقاط الاتفاق التي يمكننا العمل عليها بشكل مشترك، ثم طرح السؤال التالي: كيف نعمل على تلك النقاط لتحقيق المصلحة للجميع دون الحاجة إلى الذوبان في الآخر، ولا الانسياق وراء أفكاره.

وختاماً:
إن بدت لك "خطوة عملية" تتوقع أن تحقق شيئاً من "التناغم" المنشود في مجتمعنا المحلي، فوافني بها مشكوراً ، لعلنا أن نتشارك ونضع "سوياً " بصمة إيجابية في مجتمعنا، ونغيّر من أسلوب تعاملنا مع بعضنا البعض بما يحقق الصالح العام.

دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن

إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري

@bin_oshan

مارس 11, 2019

دورك الحقيقي مع ذرّيتك !

لم نكن في مجتمعنا أحوج إلى التربية من زماننا هذا، حيث فتحت شبكات الاتصال، والتواصل الاجتماعي على الناس - صغاراً وكباراً - أبواباً من الفتن والشبهات والشهوات، وأشكالاً من الانحرافات لم يسبق وجودها، وخرجت الكثير من الفرق والمذاهب والأفكار الهدامة والضالة من سراديبها، ونوّعت من وسائلها، وغيّرت في طرائقها، وأصبحت تضيف على محتواها السيء كثيراً من التزيين والتحسين والتلطيف حتى يكون مقبولاً على نطاق واسع، وباتت تحاول إظهار حال الواقعين في تلك الفتن ومقارفيها وكأنهم على خير حال، فيجمّلون صنيعهم.

ويقتطعون جزءاً جميلاً يسيراً من حياتهم فيضخمونه، ويوهمون الناس بأن كل حياتهم كذلك، متجاهلين بقية الأجزاء السيئة والمشينة من حياتهم ، والتي يمضونها مشوبة بالقلق، مغلفة بالكآبة، ممتزجة بالصراع النفسي، لمخالفتهم للفطرة التي فطر الله الناس عليها.

ومع هذا المكر الكبّار في الليل والنهار، الذي يعمل فيه دهاقنة الإفساد وأربابه من كل مذهب ونحلة، تصبح مواجهة هذا الطوفان الجارف "واجب العصر"، و"فرض العين" على كل واحد منا، ليحافظ على من يعول، وليجيب على السؤال!
ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الولي "مسئولاً" أي أنه سوف يُسأل من يعول، ويحاسب على ذلك كما في الحديث المتفق عليه، قال صلى الله عليه وسلم (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ... وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)..

ولا ينفع الأولياء حينها الاعتذار بظروف العصر، ولا بإلقاء التهمة على المجتمع أو الإنترنت أو الشيطان ذاته، فالمعاذير هذه غير كافية عند من لا تخفى عليه خافية، ولن يكون الجواب مقبولاً إلا حين يبذل المرء كل وسعه في الحماية والوقاية، ويؤدي كل جهده في السعي لتحصين ذريته، وتعليمهم، وتحذيرهم، وتربيتهم، فإذا بذل كل وسعه، فقد أدى ما عليه، فـ)لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
ويصدق في ذلك قول أحمد شوقي:

وما نيل المطالب بالتمني *ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال * إذا الإقدام كان لهم ركابا

فأروا الله من أنفسكم خيراً، واتخذوا قراركم الشخصي في أسرتكم الصغيرة، بإعلان حالة الاستنفار لأجل الحماية، والعمل الجاد
المنظّم المستمر والهادئ من أجل تحقيق التربية الحقّه، والحفاظ على الهوية، وتعزيز الانتماء لهذا الدين العظيم في نفوسهم.

وإذا كان قارئ القرآن وهو عليه شاقّ له أجران، أجر التلاوة وأجر المشقة، والمُسبِغُ للوضوء في البرد الشديد له أجران، أجر الإسباغ، وأجر تحمل المكاره والأذى، فإن للمربّي في أوقات الفتن أجر التربية وأجرى الأذى المترتب على صعوبة الأمر، فلا تحزن كثيراً لكثرة مسببات الزيغ، فذلك أعظم للأجر، وأكثر دافعية للجد والاستمرار.

ومن أراد "العُلا" عفواً بلا تعبِ * قضى ولم يقضِ من إدراكها وطرا

وإنني واثق تماماً من أن عاقبة هذا الاهتمام والحرص على من تحت أيديكم ستكون خيراً عظيماً، وأجراً كبيراً، وعلى قدر المشقة يكون الجزاء في الدنيا صلاحاً للذرية وقرّة للعيون بهم، وفي الآخرة نوراً وحبوراً وسروراً . أصلح الله لنا ولكم ذرياتنا، وجعلنا وإياهم مباركين.
دام توفيقكم

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan