نوفمبر 24, 2018

فســــحة " الأمل "


 يخطط أحدنا لمشروع من مشاريعه، ويبدأ فيها بحماسة كبيرة، فيحقق نجاحات في بعضها وإخفاقاً في أخرى..
 وفي خضم تلك الحماسة، والنتائج المتوقعة وغير المتوقعة، تتسلل إليه أحياناً حالة من الإحباط حين يركّز تفكيره على عدد من جوانب الفشل التي وقعت، فيضخّمها، وتطغى على مزاجه!


 وهاهنا يبرز دور مهم لـ (الأمل) إذ لا بد أن  يعوّد مريد النجاح نفسه على (طول النَفَس)، وأن لا ينظر إلى إخفاقه الجزئي والمؤقت، أو تأخر النجاح عن وقته على أنه فشل عام في جميع مسارات الحياة.

أعلل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ

وعليه أن يدرك أن النتائج لا تحدث بين عشية وضحاها، وأن حل المشكلات المزمنة ليس من خلال قرارات سريعة وآنية، بل بتقديم  المرء لأفضل ما لديه، و فعل كل الأسباب المؤهلة لتحقيق الأهداف المطلوبة، ثم القيام بتعديل الصورة الذهنية للمستقبل في عقله، فيتخيله مستقبلاً مشرقاً مطرزاً بالنجاحات المتتالية..

 فإن حسن الظن، والفأل الحسن أمران مطلوبان لتحقيق النجاح، وأحد العوامل المؤثرة جداً أن يدرك المرء أنه قد يحزن لأنه فاته شيء، ويكون الخير كل الخير في ذلك الفوات ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم).

وبرغم أن قانون “الجذب” أو “السر” كما يطلق عليه أحياناً قد بات محل نزاع وخلاف فكري كبير بين من يراه سرّ النجاح، ومن يراه لوناً من الأساطير والخزعبلات، إلا أن الجميع متفقون على أهمية التفاؤل، والتحذير من التشاؤم،  وأن (البلاء موكل بالمنطق) كما حدثنا بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وقد قيل: ( الناس معادن، تصدأ بالملل، وتتمدد بالأمل، وتنكمش بالألم )، فلنتخذ قرارنا .. سنعمل بكل جدّ، وسنواجه الإخفاقات والأخطاء التي هي من طبيعة كل جهد بشري، وسنصلح ما يمكننا إصلاحه، وسنتعلم من الدرس، وسنواصل المسيرة، وسنؤمل خيراً كثيراًَ ، ولن يفتّ في عزيمتنا شيء، متوكلين قبل ذلك وأثناءه وبعده على السميع العليم، مدركين أنه لن يتحقق لنا شيء إلا بإذنه.

ولندرك أن الضربة التي لا تكسر ظهرك فإنها تقوّيك، وتعلمك، وتنضجك، ولهذا يقدّر الناس للخبير خبرته، والتي هي نتاج العدد الكبير من المحاولات الصائبة والخاطئة، والإخفاقات والنجاحات، والتي بمجموعها أخرجت لنا هذا (الخبير).

وبدون “الأمل” فإننا نعيش حياة كئيبة، مملوءة بالإحباط والتشكي والبؤس، وننظر حينها للحياة بنظارة سوداء لا ترى شيئاً مبهجاً، ويؤثر فقدان الأمل على صحتنا النفسية والجسدية في آن واحد، كما أنه يجعلنا نتوقف عن التقدم، وحينها فإننا نبدأ في طريق الانحدار الذي لا قاع له.

دمتم بخير ،،،

محمد سعد العوشن

@bin_oshan

تم النشر في صحيفة تواصل من هــنـــا

نوفمبر 20, 2018

تغيير سلوكيات المجتمع!

كم تبادلنا في مجالسنا ومنتدياتنا وشبكات تواصلنا حديث اللوم والتقريع لبعض المظاهر غير الحسنة في واقعنا، ويشارك في الحديث كثير من الناس كل منهم يمكنه أن يلقي خطبة عصماء في هذا الأمر الذي يتم نقاشه، فإذا نظرت في واقع بعض أولئك المتحدثين، وجدته يقع فيما كان يذم!

فتراه يفرّط في النظافة في الأماكن العامة - مثلاً - متذرعاً بأن الجميع يصنع ذلك، وأن عنايته بالنظافة لتلك الأماكن تلك لن تصلح المكان، ولن تغير من واقع الأمر شيئاً، فسيأتي غيره ليفسد، ويلوّث..
وبهذه الطريقة يتم تسويغ الخطأ وتبريره، ويتحول المرء إلى نسخة من مكررة من السيئين.
وهذا الأمر - بكل تأكيد - لا يمكنه أن يصلح الأوضاع ولا يرفع من جودة الحياة وظروفها، لأن الناس لن يتحسنوا فجأة، ولن يتحسنوا جميعاً.
والحقيقة التي لا شك فيها أنه لو التزم كل واحد منّا بإصلاح ذاته لصلح المجتمع برمّته، ولو التزم كل منا بنظافة المكان الذي يعمل ويسكن فيه لكان بلدنا كله نظيفاً، ولو التزم كل واحد منا بالأخلاق الحسنة، لتغيرت الصورة الأخلاقية للمجتمع كله، وبتنا خير المجتمعات..
غير أن المشكلة تكمن في أن كل واحد منا يتلفت يمنة ويسرة قبل أن يبدأ هو مسيرة إصلاح سلوكه، ويؤجل التحسين والتغيير إلى أن يتغير الناس..
والحل الصحيح هنا وفي كل حالة مشابهة أن تعمل العمل الصحيح، وتكون قدوة في هذا الأمر، وتصلح ما يمكنك إصلاحه، وأثناء إصلاحك لنفسك فعلاً ، يمكنك أن تقوم بالتنبيه المؤدب لكل من تراه يخالف ذلك..
وفي هذا يحسن الاستشهاد بقصيدة أبي الأسود الدؤلي ، التي يقول فيها :
وإذا عتبت على السفيه ولمته ... في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك وانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى ... بالعلم منك وينفع التعليم
إن وجود النماذج (القدوة) في كل المجالات من شأنه أن يشجع الناس على الاقتداء بهم، والسير على خطاهم، وترك أخطائهم، ومن هنا تكون بوابة التغيير الإيجابي دوماً، وفضلاً عن الشعور الذاتي بالرضا عن الذات حين تفعل الفعل الصحيح، فإن استشعار "الأجر" المترتب على اقتداء الناس بك، حين سننت لهم هذه السنة الحسنة، يدفعك للتمسك بالصواب وعدم النكوص عنه مهما كانت المعاذير.
وقد نهينا أن يكون المرء إمّعة، فيقول: إن أحسن الناس أحسنت معهم، وإن أساؤوا أسأت معهم، فليس أمراً مقبولاً من كل ذي لب، ولكن إن أحسن الناس فأحسن، وإن أساؤوا فتجنب صنيعهم، وافعل الفعل الصحيح دوماً وأبداً ولا تنتظر لإحسانك رداً .
وأود في الختام أن أشير إلى أن "القدوة" المذكورة هنا ليست السبيل الوحيد لإصلاح سلوكيات المجتمع، لكنها الوسيلة اليسيرة، والمتاحة لكل أحد، وذات التأثير المؤكد، والتي لا تحتاج إذناً أو إجراء معقداً لتحقيقها.
فإذا تعاضد ذلك كله مع توجه رسمي لتغيير بعض السلوكيات، من خلال الترغيب والترهيب، ومن خلال الحملات التوعوية، ومن خلال بعض الإجراءات المحفّزة، فلا شك أن ذلك سيكون أكثر نفعاً وتأثيراً
دمتم بخير

محمد بن سعد العوشن
إعلامي، مهتم بالعمل الخيري
@bin_oshan

نشر في صحيفة تواصل من هــــنـــا