أكتوبر 29, 2018

نداء


إلى الذين يعرفون شيئاً ذا بال..
إلى الذين يتقنون شيئاً ولو كان صغيراً ..
إلى الذين مرّت بهم تجربة تستحق أن تكتب..
إلى الذين استطاعوا التخلص من مشكلة حلّت بهم ..
بادروا ، واكتبوا ما لديكم، انقلوا تلك المعرفة والمهارة من أذهانكم إلى شبكة الإنترنت .. من خلال التدوين .
وبعد ذلك يمكن لكم أن تنضجوها، تتوسعوا فيها، تهذبوها، تحذفوها..
المهم أن تكتبوا ماهو متوافر في ذاكرتكم .
فليس يدري الواحد منّا متى سيتاح له الوقت ليصنع ذلك..
ولا كم من العمر قد بقي له .
فانشر الخير، واعلم أنه من العلم النافع الذي يجري أجره للمرء حتى بعد وفاته.

أكتوبر 14, 2018

داء "الاعتياد"!

يطمح اللاجئون إلى العودة إلى منازلهم أياً كانت أحوالها، فيغلقون عليهم الباب آمنين مطمئنين، يظللهم السقف عن حر الشمس، وبرد الشتاء، ويمنع عنهم أذى الناس، ويلتقون بأهليهم وذويهم ويجتمع شملهم.
ويؤمل المسجون، بل ويفرح برؤية الشمس، ومن أمنياته أن يخرج في فناء يسير يتلقى فيه أشعتها الذهبية، ويرى السحب والغيوم حين تمر مروراً هادئاً يسيراً، وأن يجلس مع أهله وذويه متى شاء وأين شاء.
ويتمنى المريض الملقى على فراشه منذ أشهر أن يتمكن من القيام من سريره، والتحرّك عنه، وتناول الطعام، والشراب كما يحلو له، وأن يقوم بذلك بنفسه دون الحاجة إلى أحد، وأن يركب سيارته ويتنقل بها كيفما أراد.

غير أن كثيراً من هؤلاء لا يستطيع ذلك؛ وهم محرومون من ذلك، وكلما شاهدوا صحيفة أو تلفازاً ورأوا الناس تتمتع بهذه الأمنيات.. اعتصرت قلوبهم حزناً وحسرة.
فماذا عنك؟

هل أصابك داء “الاعتياد” فلم يعد يلفت انتباهك وجود المنزل، والمركب، ولا خدمة النفس، ولا الحركة، ولا الإبصار، ولا التذوق، ولا الشمّ، ولا السمع، ولا القدرة على الحديث، ولا توفر الطعام والشراب، ولا القدرة على تناولهما وإخراجهما، ولا مشاهدة طلوع الشمس وغروبها، ولا رؤية السماء والنجوم والقمر، ولا الالتقاء بالأهل والأصحاب؟

أتراك اعتدت هذه النعم المتوافرة والمتتالية كلها.. فلم تعد تشعر بها؟

إنك حين تجلس مع أحد الذين ابتلاهم الله بتلك الأحوال السالف ذكرها، وتسمع منهم أمنياتهم، وتلتقط مشاعرهم، وتنظر في عيونهم، فلسوف تعلم يقيناً أن مجرد قدرتك على الحركة ذهاباً وجيئة هي نعمة عظيمة لا تقدر بثمن، فضلاً عما سواها من النعم.

وستدرك أن كثيراً من الذين تعلوهم الكآبة، وتغشاهم التعاسة، ويحيط بهم الكدر والحزن، إنما هم أقوام غفلوا عن هذه النعم التي يغرقون فيها، التي لا يستطيعون لها حصراً، وغاب عنهم استحضارها والإحساس بها في كل مرة، والامتنان لوجودها، وتسبب “الاعتياد” في تناسيها رغم ضخامتها، وتراهم قد ركّزوا تفكيرهم كله فيما يفتقدون، وفيما لم يتحقق لهم، وأطلقوا أبصارهم في النعم البعيدة التي لم ينالوها، وانصرفوا بالكلية عن النعم التي يرفلون فيها، وباتوا يرون حدائق الجيران أكثر اخضراراً من حدائقهم – كما يقال – لفقدانهم القناعة بالموجود، والاستمتاع به، والتلذذ بمعايشته.

أيها القارئ الكريم.

انهض من غفلتك، واستيقظ من نومتك، وتدبّر في حياتك، وتأمل في واقعك، لتدرك أنك – أياً كانت حالتك – مغمور بالنعم، منغمس فيها، ولا يتطلب منك الأمر إلا استبصاراً بكل ما يمر بك، واستشعاراً لكل ما يحيط بك، فيورثك ذلك الرضا والسكينة والطمأنينة، وتحمد الله عز وجل على ما أفاضه عليك، وحينها ستجد السعادة إلى قلبك سبيلاً، وسوف تتمتع بكل لحظة من لحظات يومك، وتلهج صادقاً بالحمد جهراً وسراً، ويصدق فيك آنذاك قول الله تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم).

زادك الله من فضله، وألهمك التأمل في نعمه ومخلوقاته، وكفاك شر الاعتياد.

دام توفيقك

محمد بن سعد العوشن

____________
نشر ت في صحيفة تواصل من هــنــا

أكتوبر 04, 2018

لا عذر لك حين تفشل!

ليس للعوامل الخارجية تأثير حقيقي في بروز الناجحين وتميزهم، وتحقيقهم للنجاحات المختلفة في حياتهم!

فالواقع يشهد بأن عدداً غير قليل من المتميزين والناجحين في عصرنا هذا وفي العصور السابقة عاشوا في ظروف صعبة، واعترضتهم عوائق كبرى، ومع ذلك حققوا نجاحات ملهمة ومبهرة، بينما فشل وأخفق جملة ممن ظروفهم المحيطة أفضل، ومؤهلات النجاح لديهم عالية ..وقد كانوا أولى بالنجاح، غير أنهم لم ينالوه!
والنظر في سير الناجحين من أهل الإعاقة، السمعية أو البصرية أو الحركية أو النفسية، وفي سير الكثير من الفقراء الذين تجاوزوا كل القيود التي تمنعهم وقفزوا من حالة الفقر المحبطة إلى حالة النجاح المحفّزة، سواء في الجانب المالي أو السياسي أو الإداري أو العلمي يؤكد لنا هذا الأمر بجلاء.

ويزيد قناعتنا بأن الظروف المحيطة قد تكون معينة على النجاح لكنها ليست السبب الرئيس لتحصيله.

إن الأمر - يا سادة - مرتبط بمستوى العزيمة والجدية لدى المرء، إضافة إلى قدرته على "إدارة الذات" بشكل فعال، وعدم الاستسلام لرغبات النفس وميلها المستمر للراحة والدعة.

والنفس كالطفل إن تتركه شبّ على *
 حُبّ الرضاعِ وإن تفطمه ينفطمِ

فلم يكن نيل المعالي - دوماً - إلا عبر طريق شاق طويل متعب، لكن النتائج تستحق ذلك الجهد، وفي هذا يقول الشاعر:

لولا المشقّة ساد الناس كلهمُ *
الجود يفقر والإقدام قتّالُ

إذ لا ينقص الناس المزيد من "المعرفة" عن النجاح، وأساليبه وأدواته وكيفية الوصول إليه،  لكن الذي  ينقصهم في الحقيقة هو التحول إلى "العمل".
 وليس العمل هنا مجّرد "هبّة" مؤقتة، و حماسة مفاجئة، سرعان ما تتوقف، بل هو العمل المستمر، الدائم، ولعل إلقاء نظرة على ما أخبر به صلى الله عليه وسلم بقوله «أن أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه» يوضح لنا هذا الأمر.
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أثبته. وحين سُئلت عائشة رضي الله عنها عن عمله صلى الله عليه وسلم؛ قالت: "كان عمله ديمة".

إننا اليوم أحوج ما نكون للانطلاق نحو العمل، والتحول من التنظير إلى التطبيق.
فهيا بنا، دام توفيقكم

أكتوبر 04, 2018

التربية في عصر المعلوماتية

يشكل استطلاع سابق أجراه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني صدمة تربوية حقيقية، غير أنني لم أجد له الصدى الذي يتناسب معه!

حيث كشف الاستطلاع المذكور عن أن ما يزيد عن 90% من الأسر السعودية يستخدم أطفالها الأجهزة الذكية والألعاب الإلكترونية، وأن 43% من هؤلاء الذين يستخدمونها، تقلّ أعمارهم عن خمس سنوات، ومتوسط عدد الساعات اليومية لاستخدام الأطفال لتلك الأجهزة يصل إلى أربع ساعات، بل يقرّ ثلث أولياء الأمور بأن استخدام أطفالهم للأجهزة الذكية كان له أثر سلبي على هؤلاء الأطفال!


ورغم الدلائل الخطيرة التي يكشفها الاستطلاع؛ ما زال البعض يعتبر “الحديث عن التربية” حديثاً مكروراً ومملاً، ولا طائل من ورائه، مع أن الواقع يشهد بأننا الآن أحوج ما نكون للالتفات إلى “التربية” لكل من نعول، فالذي لا تخطئه العين من خلال متابعة مستجدات التقنية الحديثة، وما تبثه وسائل الإعلام العالمية، أن العالم الأول – كما يسمى – يستهدف ويعمل بكل جدِّيَّة من أجل تحويل كافة المجتمعات لا إلى (نسخ) منهم، بل إلى (مسخ) عنهم، وتأتي محاولاتهم بكل الطرق وشتى الأساليب، طواعية وإكراها؛ من أجل صهر كل المجتمعات في قالب موحّد يمكن توجيهه والسيطرة عليه وتغييره بضغطة زر.

وهذا الأمر ليس مجرد مواعظ تقال: ولا خططاً على الورق، وإنما هي قرارات صادرة، وتوجهات رئيسة، ومشروعات قائمة عابرة للقارات، يقف وراءها جيوش من العاملين لتحقيقها، وهم لا يخفون ذلك بل يجاهرون به، فكما يقول بريجنسكي المستشار الأسبق للأمن القومي الأمريكي: (الهيمنة قديمة قدم البشرية نفسها…)، ويشير في كتابه (بين عصرين) إلى ضرورة خوض معركة الأيديولوجية على كل الساحات، بدءاً من حقوق الإنسان ووصولاً إلى تصدير نمط الحياة الأمريكية (الجينز والديسكو والعلوم والتكنولوجيا والعادات الأمريكية) من خلال استثمار تكنولوجيا الاتصال، كما أن صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية يشيرون صراحة إلى ضرورة تسويق (ثقافة المتعة الأمريكية) إلى شعوب العالم بقصد تكريس مفهوم (أمركة العالم).

ولذا لا عجب أن يكون توزيع أكبر 300 شركة إعلامية تعمل في العالم، كما يلي: 50% أمريكية و25% أوروبية.

فإذا أدركت حجم العمل الذي يتم، والمخططات التي تستهدف إتمام عملية المسخ، فلتدرك أنه ليس مطلوباً منك أن تقف أمام هذا الطوفان الكبير من أجل حماية العالم من هذه الحملة الشعواء، وإنما المطلوب منك (فقط) أن تقوم بحماية بيتك، وذريتك، ومن تحمّلت مسؤوليتهم فـ (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، ولو أن كل واحد منّا حصّن بيته، واهتم بمن تحت يده، لتفتتت كل تلك الحملات على صخرة “التربية”.

أيها القارئ الكريم

لا بد أن تستشعر أنك أنت المسؤول أولاً وأخيراً، وأن لا تعوّل كثيراً على المدرسة، ولا الأصدقاء، ولا وسائل الإعلام في تربية أبنائك، بل عليك أن تقوم بجهدك الخاص، وتبذل المستطاع لكي تحافظ على قيمهم من التزعزع؛ كي تكون وإياهم من المفلحين، و(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).

وإن أسهل حيلة يمكنها أن تفتح لك مخرجاً يسيراً للنكوص عن مهمتك، والتولي عن مسؤوليتك، أن تكرر في نفسك وفي مجالسك: (ما باليد حيلة؛ الأمر خارج عن السيطرة، ومن أنا حتى أقف بعائلتي في وجه هذا المدّ، لا بد من الانحناء للعاصفة، التغيير السلبي أمر لا بد منه)؛ فإن تلك العبارات ليست سوى تبريرات غير صحيحة للتقصير الكبير الذي نمارسه اليوم، ونخجل من مصارحة أنفسنا به.

ولنحذر – في مجال التربية – من التعويل على تكاثر النماذج المفرّطة، من الذين باتت بيوتاتهم مجرد فنادق للمبيت، وأصبح كل فرد منهم يسرح ويمرح كيفما يريد دون وازع أو رادع، بل علينا أن ننظر لقدوات أخرى استطاعت النجاح وسط هذا الموج الهادر.

ولنحذر من الاستشهاد الخاطئ بمثل قوله تعالى: (ليس عليك هداهم)، وقوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت)، ونحوها على اعتبار أن الهداية من الله، ولو أن الأب ليس مطلوباً منه سوى الدعاء!، فالحقيقة أنها آيات جاءت لتطمين الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن بذل كل ما في وسعه لهداية الناس، ولم يتحقق له مراده مع بعضهم، فأراد الله أن يخفف عنه الحزن الذي يصيبه من جراء ذلك، ويبين له أن الهداية من الله تعالى، مع ضرورة مواصلة الدعوة حتى الممات، فلا تتعامل مع هذه الآيات على أنها رخصة للقاعدين عن العمل الجاد.

وأخيراً:

لتعلم أن (خير وسيلة للدفاع.. هي الهجوم)، فعلِّم زوجتك، وإخوانك، وأخواتك، وذريتك أن يكونوا هم المبادرين بالدعوة للمحافظة على القيم الأصيلة لهذا المجتمع؛ ليكونوا أنوار هداية، ومشاعل نور، وناصحين، مشفقين، باذلين للوسع من أجل التأثير الإيجابي على من يجالسون، وأن لا يكتفوا بمنع ذواتهم من الذوبان في شخصية الآخر فحسب.

دام توفيقك.

محمد بن سعد العوشن

المقال في صحيفة تواصل هــنــا