مايو 29, 2017

العادات.. طريق النجاح


اعتاد كل منا على مجموعة من "الأفعال" و"الأقوال" و"السلوكيات" في يومه وليلته، وصارت تلك الأفعال سهلة يسيرة تحدث منه دون تكلف أو مشقة، وما ذلك إلا لأنها انتقلت من العقل الواعي إلى العقل اللاواعي وصارت عادة بعد أن كانت التزاما.
وهذا الانتقال من حال التكلف إلى حال التلقائية يحدث بمجرد الالتزام الزمني بالفعل أو القول ومواصلة ذلك حيناً من الدهر.
ويتحدث المختصون في تطوير الذات عن قاعدة الـ21 يوماً، والتي تشير إلى أن الاستمرار على سلوك محدد لمدة 21 يوماً متواصلة كفيل بتعويد النفس عليه وجعله جزءاً من أفعالها التلقائية متى صاحب ذلك قناعة بالسلوك وأهميته.

والأمر ذاته يقال عن الصفات والسمات الخيرة والأفعال الحميدة كافة، فإذا عوّد المرء نفسه على الاستيقاظ في ساعة معينة أو النوم فيها، أو على أداء الواجبات في أوقاتها المطلوبة، أو التلطف في الحديث وانتقاء أطايب الكلام، فإنه يفعل تلك العبادات والسلوكيات دون شعور بالتعب أو التكلف، ومن هذا ما ورد عن بعض السلف أنه جاهد نفسه على قيام الليل سنين عديدة ثم ارتاح بعد ذلك وأصبح يستيقظ لقيام الليل من تلقاء ذاته دون الحاجة إلى منبه خارجي.

"العادات نصنعها أولاً ثم تصنعنا "
د. سلمان العودة
لذا كان من خير ما يصنعه الراغب في النجاح أن يعوّد نفسه على السلوكيات الإدارية الحميدة، ويلتزم بأدائها بشكل متواصل دون تراجع أو ملل، فتصبح هذه السلوكيات عادة مألوفة، وسجية طبيعية.

والعادات –في بدايتها– تشبه الخيط الخفي الدقيق، فكلما تم تكرار هذا السلوك المؤسس للعادة أضيفت قوة لهذا الخيط حتى يصبح حبلاً بعد أن كان خيطاً رفيعاً، ومع التكرار يصير هذا الحبل متيناً لايمكن الفكاك منه كما يقول "أوريسون سوت".

وعندما تعتاد على السلوكيات الإيجابية وترسخها فإنك تبدأ مسيرة النجاح الحقيقية، ذلك أن النجاح هو نتاج تطبيق سلسلة طويلة من سلوكيات الناجحين، والتزام طويل المدى بالقواعد المنظمة للنجاح والمنثورة في سير الناجحين ومؤلفاتهم.

ذلك أن أغلب ما يعيق الطامحين ويفشل مسيرتهم: مللهم في بداية الطريق، وتركهم (الالتزام والاستمرار) في فعل ما يفعله الناجحون عادة، ذلك أن الصبر على الأفعال الخيرة والصحيحة حتى تصبح سلوكاً طبيعياً أمرٌ ليس باليسير، ولذا فإن الذين يستمرون في درب النجاح ويصلون للهدف قليل في مقابل الأعداد الضخمة الراغبة في ذلك، ومردّ كثير من ذلك إلى القدرة على التحمل والصبر والالتزام، والوقت الذي يستطيع المرء فيه مقاومة ميل النفس للراحة والدعة والسكون والإخلاد إلى الأرض.

نَصَحْتُكَ لاَ تَأْلَفْ سِوَى الْعَادَةِ الَّتِي
يَسُــرُّكَ مِنْهَا مَنْشـــــــَأٌ وَمَصـــِيرُ
فَلَــمْ أَرَ كَالْعَــادَاتِ شَـــيْئًا بِنَاؤُهُ
يَسِــيرٌ وَأَمَّـــا هَدْمُهُ فَعَسِـــــــيرُ


محمد بن سعد العوشن
@binoshan 

مايو 21, 2017

ماذا نقول للغربيين عن "تعدد الزوجات" ؟


موضوع تعدد الزوجات..
هو موضوع ذائع الصيت، وهو موضوع مثير للكثير من الحوارات، والنزاعات ، والنقاشات..
والحديث عنه لم يتوقف، لا من جهة المقتنعين بأنه يعتبر حلاً لكثير من المشكلات، ولا من الذين يعتقدونه مشكلة تقع في البيوت فتفرّقها وتشتت شملها، ولا من جهة المشككين في مشروعيته أصلاً، وهم غالباً (يريدون) تحريمه، لكنّ الأدلة الشرعية، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفتاوى العلماء قديماً وحديثاً لا تساندهم في ذلك.


وأنا في هذه المقالة لن أتحدث عن حكم تعدد الزوجات، ولا شروطه، ولا عوامل نجاحه أو فشله، ولا عن أحكام العدل وتفاصيله، كما أنني لست بصدد إقناع القراء بوجهة نظر محددة حول التعدد، ولا دعوتهم للعمل به أو تركه.

لكنني سأتحدث – وأنا مشحون بالأسى – عن بعض الذين تدفعهم مجاراة الآخر ومحاولة الظهور بالمظهر اللائق – وفق ظنونهم – إلى محاولة التبرؤ من تعدد الزوجات والتنصل منه لكي نبدو لدى الغربيين أكثر حضارة!

لست أدري كيف يخجل بعضنا في حديثه مع الغربيين من موضوع “تعدد الزوجات”!!

فتراه يحاول إظهار التعدد على أنه حالة استثنائية، يعمل بها في ظروف خاصة، محاولا التملص منه، وكأنما هو يستحيي من دينه عند قوم تجردوا من الحياء والدين جملة وتفصيلاً.

إنه لأمر عجيب.

الغرب قوم إباحيون، يمارس المتزوج منهم فضلاً عن الأعزب عدداً غير قليل من العلاقات الجنسية مع كثير من النساء العازبات والمتزوجات، وتفعل النساء الأمر ذاته!

ويشرّعون الزنا، والحمل خارج إطار الزوجية، فتكثر لديهم “الأمهات العازبات” دون شعور بالحرج، وتلد المرأة في بعض الأحيان عدداً من الأولاد من حبيبها، قبل أن يقررا الزواج بعد ذلك!

ويعتبرون “العذرية” مثلبة ونقصاً، وينظرون إلى صاحبها على أنه مريض حقيقي يحتاج للعلاج النفسي!

ويتعرّون في ألبستهم فيكشفون من العورة أكثر مما يسترون، ويلبس الرجل دوماً لباساً أستر من لباس المرأة الفاضح!

وتختلط لديهم المرأة بالرجل في المسابح والمراقص ودور الفجور والخمور، وهم في عقولهم حينا، وسكارى في أحيان أخرى.

ويواصلون مسلسل الانحدار باستباحة الشذوذ بين الرجل والرجل، والشذوذ بين المرأة والمرأة واعتبار تلك العلاقة المنحطّة والتي هي أقل من البهائم منزلة (زواجا للمثليين)، ثم يشرّعون هذه العلاقة ويعتبرون محاربتها تخلفاً عن ركب الحضارة، وإخلالاً بحقوق الإنسان!

ويقيمون دُوراً للبغاء، كما يبيحون إنتاج وبيع الصور والأفلام التي تهدف لنشر الإباحية وترويجها في العالم برمته علانية، ويحمونها بوصفها تجارة رائجة تحقق لهم الكثير.

هذه حقيقة الغرب من الناحية الأخلاقية ..

ومع كل هذه المخازي التي يرتكبونها بل ويحوّلونها من ممارسات شاذة إلى حقوق إنسانية ثابتة، ويجاهرون بها، رغم منافاتها للطبيعة البشرية، بل وحتى الحيوانية؛ مع كل هذا لا يزال بعضنا يراعي مشاعر القوم، فيستحيي من الحق، ويحاول تبرير تعدد الزوجات بأنه إنما يشرع في حالات خاصة جدا، و في أضيق الحدود.

والحقيقة أن عقول هؤلاء هي الضيقة عن فهم الشريعة وفهم الطبيعة البشرية واحتياج الرجل والمرأة على حد سواء.

فالله سبحانه قد أتاح لمن وجد في نفسه الرغبة والقدرة أن يقوم علنا بالزواج الشرعي بأكثر من امرأة، زواجا مكتمل الأركان، يؤدي فيه كافة الواجبات، لا أن يشبع شهواته مع فتيات الليل بالزنا والفجور، ثم ينصرف تاركاً تلك النسوة دون أي حقوق.

إنها شريعة الرحمن، العليم

شريعة تلتزم بالوضوح التام، والحقوق المتبادلة، والعدل،  ولكن أكثر الناس لا يعقلون.

شريعة تلتزم بـ “الطهارة” من أدران الرذيلة والأخلاقيات الرديئة، وفتيات الليل، وأنواع الفجور.

شريعة من لدن حكيم خبير، يعرف الخلق، ويعرف ما يصلح لهم وما يضرّهم.

وإنه لعيب على المسلم أن يقف هذا الموقف المخزي والمهين أمام قوم امتهنوا كل أنواع الممارسات الشاذة علانية، فتراه وقد علاه الخجل منهم!.

يجب أن نتخلّص من عقدة الضعف والانهزامية والمسكنة التي تجعلنا معجبين بما لديهم، خجولين مما لدينا.

يجب أن نقولها علانية:

لن نُخفي شيئاً من ديننا لأجلهم، ولن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض لأجلهم، ولن نستحيي من إظهار كل شعائر الإسلام لأجلهم.

فنحن  يا قوم “الأعلون” لو كنا نعلم.

يجب أن يكون لدينا من الثقة والوعي ما يجعلنا نعلنها دون مواربة : التعدد أمر مشروع ومسموح به، رضي من رضي، وسخط من سخط.

ولنعلم يقيناً بأن أولئك لن يرضوا عنا حتى ندخل في الفجور كما دخلوا، فنكون وإياهم سواء، ونتبع ملتهم.

هذا كلّه من حيث التنظير و(المشروعية) و(الجواز) و(عدم التحريم)، وليس التطبيق للتعدد على أرض الواقع.

ذلك أن تطبيق التعدد في الواقع أمر يخضع لظروف الرجل والمرأة، ولكثير من العوامل التي تحتاج إلى دراسة ممن يريد الإقدام، وذلك شيء مختلف تماماً عن مبدأ الاعتزاز بالدين جملة وتفصيلاً، و التعدد أحد شرائعه الحكيمة، ويمكن لكل رجل أو امرأة أن يترك التعدد ولا يقبل به في حياته الخاصة دون أي حرج.

والحديث عن التعدد ذو شجون، فلعل مقالة أخرى تغطّي جانباً آخر منه بإذن الله .

دمتم بخير ،،

محمد بن سعد العوشن
@binoshan

مايو 11, 2017

لعنة المعرفة


هناك مايسميه شيب هيث و دان هيث، مؤلفا كتاب (أفكار وجدت لتبقى)  بـ لعنة المعرفة ! وهي مشكلة شائعة وان لم نسمها بهذا الاسم!
ألم يمرّ عليك وقت عجزت فيه عن شرح ماتعتبره أنت من البديهيات لشخص لم يسبق له أن عرف هذا الشيء؟
فتراك تشرح، ثم توجز، ثم تمثّل، وتكون - ربما - بعد ذلك كله كما قيل:
أراد أن يعربه فأعجمه

والمعنى التفصيلي لهذا المصطلح : أن يكون المرء مدركاً بشكل تفصيلي لـ (المعرفة) حول موضوع محدد، ومن شدّة فهمه وإدراكه واطلاعه على تفاصيل التفاصيل فيه، فإنه حين يريد إيصال هذه المعرفة للآخرين، يعجز عن تبسيطها لهم لكي يفهموها، فتراه بعد كل الشرح للفكرة، لا يزيدها إلا غموضاً، ويصاب الحاضرون بالعجز عن فهم مراده.
وتجد أنه يتعجب كيف توقفت عقولهم عن فهم كلامه، وكيف قصرت أفهامهم عن إدراك مقصده وحديثه "الواضح جداً"، و"البدهي" بينما في الحقيقة أن المشكلة لديه هو، وليست لديهم!

ذلك أنه بعد أن كان جاهلاً بالفكرة - مثلهم اليوم تماماً - ، قد بذل كثيراً، و أمضى مدة غير قصيرة في فهمه للفكرة واستيعاب تفاصيلها، وبذل جهداً كبيراً في ذلك، وبدأ في بناء تصوّره للفكرة شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت الصورة لديه واضحة جداً، وباتت الكثير من المعلومات المهمة حول الفكرة عادية ومعروفة ويسيرة.

فحين يحاول إيصال الفكرة للغير، فإنه يعجز عن تصور حاله قبل العلم بها، ولذا يستخدم مصطلحات ومفاهيم ويرددها على المستهدفين، ويعجز عن تبسيطها بأسلوب واضح، وتجد أنه يريد من الناس أن يفهموها بسرعة لشدة وضوحها في ذهنه.

لهذا عُرف عن بعض الخبراء أو العلماء فشلهم في التعليم ونقل المعرفة أو الخبرة من جراء هذا الخلل، بل وفشلهم في إدراك المشكلة، وأن سببها الرئيس ليس (الجهل) بل (المزيد من العلم والمعرفة المتوفر لديهم)، فلا يفهم حديثهم إلا القلة ممن لديهم مقدمات هذا المعرفة وأجزاء منها.

وفي أرض الواقع : يقع بين يدي بين حين وآخر مطويات تعريفية بمشروع، أو موقع إلكتروني لمشروع، يصوغ محتواها (الخبير ذو المعرفة) فلا تفهم شيئاً من مراده، وتتعجب كيف لمثل هذا النص أن ينشر بهذه الصيغة غير المفهومة.

لذا كان مهماً أن لا يترك أمر إيصال الرسالة للجماهير للمختصين في الفكرة فحسب، فتغدو المادة كالألغاز، بل لابد أن يناقش الخبير أحداً ممن يحسن الصياغة، ويطيل النقاش معه والتنبيش والاستيضاح ووضع البدائل اللفظية، والأمثلة، ثم يكتب مختص الصياغة النصوص المعبّرة عن الفكرة، ويعيد عرضها على الخبير، مع عدم قبول عباراته وجمله العلمية كما هي، فمن ضمن (لعنة المعرفة) كذلك أن يطمح المتخصص إلى حشو تلك النشرات والمواقع بالكثير الكثير من المعلومات التي يعتبرها مهمة، وهي في الحقيقة ليست كذلك.

و يقال : (إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل صغير بكل سهولة، فلديك مشكلة في التعبير) .

والآن: ارجع بالذاكرة إلى وقت مضى، وحاول تذكّر أوقات كنت فيها عاجزاً عن إفهام الآخرين ماتعتبره بديهياً، وتذكّر كذلك معلمين أو خبراء كانوا يسعون جاهدين لشرح بعض القضايا دون نتيجة تذكر، وتدارك فيما بقي، فأحسن تبسيط المعرفة وتيسيرها، تكون بذلك قد قدمت رسالة مختلفة، وواضحة ومؤثرة.

دمتم بخير

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري

تم النشر في صحيفة تواصل من هـنـا

مايو 08, 2017

خيران و الخواجة | قصة قصيرة


كان “خيران” يسكن في الصحراء.. في خيمة تذروها الرياح.
يربّي بعض الأغنام ويرعاها بنفسه أو ترعاها زوجته “خيرية”..
وذات يوم قرر “خيران” أن يفتتح نشاطاً تجارياً لبيع الماشية في ذات المكان الذي يعيش فيه، لعل ذلك أن يجلب له شيئاً من المال الذي شحّت مصادره، وكثرت مصارفه.
لم يكن تجهيز المتجر شاقا، فقد نصب خيران عدة أعمدة خشبية من بقايا احتطابه في الشتاء الماضي، وأحاطها بألواح من هنا، وأغصان من هنا، وبقايا شبك سابق من هناك.
ووضع عاملاً على تلك الأغنام، يسقيها ويطعمها نهاراً، ويحرسها ليلاً من اللصوص والذئاب.
وحين يأتي المشتري لشراء شيء من الأغنام، كان العامل يصيح بأعلى صوته منادياً صاحب الحلال للتفاوض مع المشتري حول سعر الماعز أو الضأن الذي يريده.
سارت أمور “خيران” بشكل جيد، وازدهر سوقه بشكل جيّد، وبات يحقق دخلاً من هذه التجارة، وكان يذهب بين فنية وأخرى للقرية لكي يشتري بعض الأعلاف لإطعام الأغنام حين يقل العشب في المرعى بغية المحافظة على سمنتها وصحتها، الأمر الذي يفضله الزبائن دوماً.
وذات يوم، سمع “خيران” أن مندوباً من الحكومة قد مرّ على عدد من المناطق المجاورة، وأنه سوف يمر بمنطقتهم قريباً، وأن ذلك يأتي ضمن مشروع لوزارة التجارة يستهدف تنشيط التجارة الفردية كما يقولون.
وكان زبائن “خيران” وضيوفه يتحدثون معه دوماً عن آخر منطقة وصلت لها الوزارة، مؤملاً أن يكون مع المندوب “شرهات حكومية” تخفف شيئاً من مصروفات الأغنام في هذا الصيف القائض.

وفي صبيحة يوم صيفي معتاد، سمع “خيران” صوت محرّك سيارة تجتاز الرمال، رآها تقبل عليه من بعيد إلى أن وصلت السيارة ذات الدفع الرباعي إلى خيمته، وترجّل منها سائق بدا متمرساً، ومعه “خواجة” ذو شعر أشقر، وعيون زرقاء، يرتدي بنطالاً وقميصاً وقبعة على رأسه، عرف خيران بعدها أنه مستشار وخبير أجنبي يدعى “جون”.
كان متخصصاً أمريكياً في مجال تربية المواشي وبيعها – كما يقول السائق المترجم-، وإن كان لم يظهر من لباسه ما يوحي لخيران بذلك.
ترجّل الخبيرُ وصافح خيران والبسمة تعلو وجهه، وكان يخبره عن صعوبة الطريق وشدّة الحرّ في هذه المنطقة، وكان السائق هو المترجم بينهما.

بدأ الخبير في طرح أسئلته على خيران، حول فكرة المشروع، ودراسة الجدوى، وطلب الاطلاع على خط الإنتاج، وموازنات المشروع، ومؤشرات الأداء، والخطة الاستراتيجية، والكي بي آيز، والنظام المالي، وأدلة الإجراءات، وأسلوب الأرشفة، والسير الذاتية لفريق العمل.
وكان الخواجة يحمل معه نماذج مطبوعة على ورق فاخر، ومع كل إجابة يضع علامة × أمام نص إنجليزي بدا غير طويل.
كان الاعتذار سيد الموقف، فأكثر مطالب الخبير لا يدري “خيران” ما المقصود بها، وهو يسمع بها لأول مرة، فضلاً عن أن يكون قد عملها.
انتقل الخبير والسائق و”خيران” بعد ذلك إلى مكان وجود الأغنام، والتقى بالعامل هناك وقدم له التحية.
وبعد نظرة يسيرة على هذا الحوش المتهالك والأغنام التي بداخله والتي لا يتجاوز الثلاثين رأساً، أبدى الخبير تعجّبه من عدم وجود بطاقة تعريفية في أذن كل واحدة من الأغنام توضح عمرها للزبائن!
وعدم استخدام الباركود في بيع المنتجات.
وعدم وجود نقطة بيع بنكية تسهل للمشترين الذين لا يحملون الكاش لكي يشتروا باستخدام بطاقة ATM أو الفيزا والماستركارد.
كما اعتبر أن بيئة العمل التي يعيشها العامل غير محفزة، مقترحاً وجود زي موحد للعمالة، وهوية بصرية للمشروع، ومطبوعات، وموقع إنترنت، وبريد إلكتروني يمكن من خلاله متابعة مشروع التطوير أونلاين.
وانتقد عدم توفير كاونتر استقبال للزبائن، وجلسة استراحة لهم لحين اكتمال الطلب، بالإضافة إلى ماكينة للكوفي، وبعض أشجار الزينة التي تحفّز العامل على العمل، وتحفّز المشترين على إعادة الشراء!
وتحدّث الخبير كذلك عن الخطط الاستراتيجية، وعن الكثير من الأشياء التي لم يعد خيران يتذكرها، حيث كانت الترجمة نفسها تحتاج إلى ترجمة لتقريبها للفهم.
ونسي المستشار الأجنبي أن تجربته وخبرته في بلاده مبنية على مجموعة كبيرة من المدخلات التي يبني عليها مقترحاته وهي ليست موجودة هنا!
نسي أنه لا توجد كهرباء في المنطقة.
ولا مصممو جرافيك.
ولا بنوك.

ولا أحد يعرف الكوفي أو يشتريه أو يستسيغه.
وأن الماء بالكاد يكفي الرجل وأغنامه وعامله.
وأن أشجار الزينة تموت في هذه الأجواء الصحراوية.
وأن الزبائن يعرفون أعمار الأغنام من أسنانها فهم لا يقرؤون البطاقات المقترحة.
وأن سكن العامل في هذه الخيمة الحارّة هو نفسه سكن خيران وكل سكان المنطقة.

واستمر الخواجة في بيان المثالب والمعايب، وحين انتهى، دعاه خيران لتناول القهوة العربية والتمر، إلى حين نضج وجبة الطعام التي حرص خيران على أن تكون من أطيب أغنامه، لكن الخواجة اعتذر بلطف، وغادر مع سائقه، لأنه سيزور مجموعة من القرى المجاورة.

قفل خيران خيمته مستاءً، وجلس مع عامله يشربان القهوة التي تم إعدادها للضيف حيث كانت من القهوة البرية التي لا يصنعها إلا لأكابر القوم.


دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan

نشرت في صحيفة تواصل من هــنا