أبريل 23, 2017

الكثير من "الدرعمة"

كشفت وسائل التواصل الاجتماعي أن كثيراً من الناس – وللأسف – مستعد للقتال دون قضية، والحماسة لموضوع لا يعرف أبعاده، ومخاصمة الناس على الـ”لا شيء”.
وفي كل يوم تأخذنا الهاشتاقات التويترية نحو قضايا بعينها تحقق “ترنداً” عالمياً، وأرقاماً قياسية في حجم المشاركات، وترى تفاعل الصغير والكبير فيها، تفاعلاً غير متزن، و”درعمة” دون وعي.
لقد أتاحت شبكات التواصل لكل أحدٍ أن يعبر عن رأيه كما يرى، لكنها في المقابل لم تجعل لذلك حداً، والحرية المطلقة شر مطلق، كالمنع والكبت والحصار، لأن تلك الحرية تجعل الناس يهرفون بما لا يعرفون، ويكذبون، ويضخّمون الصغائر، ويطالبون بالحلول غير المنطقية، ويخوضون في النوايا، وينالون من الأعراض، تحت ستار الأسماء المستعارة حيناً والحقيقية أحياناً، ولا يمكنك في الحالتين التحقق من صحة الأسماء أو نسبة تلك الأقوال لأصحابها.

والمشكلة الكبرى، أن الناس يظنون أنهم باتوا إيجابيين وفاعلين ما داموا قد غرّدوا في هذا الهاشتاق أو ذاك، يشعر الواحد منهم أنه أدى رسالته، وقام بمهمته، لأنه ذمّ ذلك القطاع، أو نال من ذلك الشخص، ويعتبر نفسه مؤثرا لمجرد أنه كتب في ذلك الهاشتاق جملة من عبارات السبّ والشتم والدعوات، ولهذا فهو قد بات عنصراً فاعلاً في مجتمعه خلافاً للآخرين!

وما درى المسكين أنه أصبح كالفرّوج (صغير الدجاج) الذي سمع الديكة تصيح فصاح بصياحها، وهو لا يدري ما الموضوع أصلاً ولا مسبباته.

لقد أصبح وجود مقطع مرئي لامرأة تبكي أو تشتكي، أو هاشتاق يزعم تعنيف امرأة كفيلاً باستنفار تويتري كبير!

مع أنه ربما كانت تلك المرأة ظالمة ومتجنيّة ومفترية، فلا يمكن اعتبار جنس “النساء” أو فئة “العمال” أو عمر “الأطفال” كافياً في اعتبار القضية عادلة، ولا أن تكون الدموع دليلاً على المصداقية، ولذا فسجون النساء ودور الأحداث فيها ألوف السجينات الواقعات في جرائم حقيقية.

إن الاهتمام برفع المظالم، والسعي لإعادة الحقوق لأصحابها، والدفاع عن المساكين، والوقوف في وجه المعتدي أياً كان اسمه ووصفه يعدّ أمراً محموداً مادام يتم وفقاً للشرع المطهر، ومن خلال الأنظمة والوسائل المسموح بها، لكن وكما قيل:

أوردها سعد وسعد مشتمل * ما هكذا يا سعد تورد الإبل

وكما قال الآخر – في الإبل كذلك -:


أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل

ليس الإنجاز أن نلعن ونسبّ ونشتم الفاعل، قبل أن نستوثق من الأمر برمته، من حيث ثبوته، ومن حيث مسبباته، وأن نكمل أجزاء الصورة قبل الحكم عليها، وقد قال عمر بن عبدالعزيز لأحد قضاته: (إذا أتاك الخصم وقد فُقئت عينه، فلا تحكم له حتى يأتي خصمه؛ فلعله قد فُقئت عيناه جميعاً).

إنها دعوة للتريّث والتحقق والتثبت، وامتثال قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، وليست دعوة للتخاذل والقعود عن إنكار المنكر أو نصرة المظلوم.

ولنرفع شعاراً دائماً: لا للدرعمة*.

_________________
* الدرعمة : الانطلاق مع الجموع دون وعي، والتعجّل في إصدار الأحكام دون وجود معلومات كافية.


دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan


تم نشر المقال في صحيفة تواصل هـنـا

أبريل 23, 2017

متعة الحياة المؤجلةّ

تمتّع بإجازاتك الأسبوعية والسنوية، ولا تفوّتها تحت تأثير الانهماك في العمل.
فالإجازة "عملية ترميم شاملة للنفس والجسد"..
تتضمن  إصلاح الخلل، وتفقد جوانب النقص، وتعديل المعوجّ، وإعطاء النفس راحة بعد طول عناء، واستجماماً واسترخاء بعد كدّ وعمل متواصل طوال العام.
وهي تأتي لتعوّض النقص الحاصل في تلبية حاجات النفس والجسد خلال أيام العمل والجدّ، ولا يشعر بطعمها الحقيقي إلا من كان في باقي أيامه منهمكاً في خضم العمل.
أما النائمون طوال العام..
الذين لا يحملون بين جنباتهم أي اهتمامات أو مشاريع، الذين أعطوا أجسادهم كل ما تريد من راحة ومتعة واسترخاء، وأعطوا أنفسهم كل ما تشتهي، فليس هناك من جديد يرونه في الإجازة، بل ربما أصبحت الإجازة في أنظارهم هماً وغماً لتواصل الفراغ بالفراغ، فترى الواحد منهم يفرح لانتهائها، ويسعد بانقضائها..
خلافاً للناجحين الذين يضعون لأنفسهم الخطط التي تجمع بين حصول الراحة والترفيه والاستجمام والاسترخاء من جهة، وبين إنجاز مشاريعهم الشخصية التي لم تكن لتنجز لولا هذا التفرغ، إذ إنهم لا يرون في الأعمال والمشاريع تكليفاً بل تشريفاً، ويعتبرونها منحة حين يعتبرها غيرهم محنة وبلية.
لذا:
التزم  بأخذ إجازة منتظمة من عملك، برمج فيها وقتك، وأعط نفسك حقها من الراحة والسكون، واقتطع جزءاً منها للاستطلاع والسفر، والتغيير في المأكل والمشرب والملبس، وأعط أهلك من وقتك نصيباً تدخل به السرور عليهم، وتنمي معرفتهم، واجعل من وقتك نصيباً آخر للتفكر والتأمل والمراجعة للمسيرة، والتخطيط للمستقبل، فبها تحلو الإجازة وتزدان وتتحقق فائدتها المثلى.

* إجازة طويلة أم  قصيرة ؟
بينما يتمتع البعض بأخذ إجازة طويلة لا تقل عن شهر متواصل، يرى غيرهم أن الإجازات القصيرة المفعمة بالجدة والحداثة أكثر فائدة وأقوى أثراً، فالإجازة الطويلة تعوّد الإنسان على الكسل والخمول، وتكرّه إليه العودة إلى العمل مرة أخرى، وتحتاج إلى عمل مكثف يسبقها لتسليم المشاريع والأعمال القائمة، إضافة إلى أن أيامها تمر دون أن يشعر صاحبها بأنه قد استمتع فيها بما يريد.
والأمر مختلف في "الإجازات القصيرة" إذ يتم استشعار أيامها، وجدولة المرح والراحة والسفر فيها بشكل أكثر دقة مما يجعل الشخص يشعر بكل يوم يمر، ويحس ببركة اليوم وألوان المتعة والترفيه التي أمكن عملها خلال هذا الوقت، كما أنها لا تحتاج إلى ترتيب مسبق للأعمال القائمة لدى الموظف إذ سرعان ما يعود إلى عمله لاستكماله، كما أن العودة للعمل تكون أكثر سهولة على النفس وأيسر.
كما يمكن أن تخصص كل إجازة قصيرة لقضاء أمر من الأمور، أو زيارة منطقة لم يسبق زيارتها، أو بلد جديد يختلف عن البلد المزار في الإجازة السابقة، مما يعني تغييراً أكبر في حجم الاستفادة من الإجازة، وهو ما يعطي شعوراً بطول الأيام التي نقضيها في الإجازة خلال العام.
فإن كان زمام إجازتك بيدك، وكانت وجهتك قريبة، فجرّب الإجازات القصيرة ( 8 إلى 10  أيام)، وستجد أنك تعود بنشاط وحماسة وتجديد أكثر من ذي قبل، وهو رأي مجرب، وإن كان الأمر كما قيل:
لكل امرئ من أمره ما تعودا

* الإجازة ليست ضياعاً !
يتعامل البعض مع الإجازة وكأنها وقت مخصص للإضاعة، وأن إشغال وقت الإجازة بغير ذلك خطأ، وهذا المفهوم غير صحيح البتة، فالراحة والاسترخاء وإعطاء النفس مرادها أمر مهم فعلاً، لكن توظيف الإجازة لتحقق الأهداف المحددة أمر مهم كذلك.
 فهناك حاجة لتقسيم أوقات الإجازة لتحمل بين طياتها جزءاً للراحة والنوم والاسترخاء بعد الكد والتعب، وجزءاً للقراءة والتأمل والاطلاع، وجزءاً للاستكشاف والاطلاع، وأجزاء أخرى لصلة الرحم وإدخال السرور على الأهل والأبناء والأقارب.
ويمكن أن تصبح الإجازة منطلقاً لبناء الذات، في الجوانب الروحية، والمعرفية، والثقافية، وفي مجال العلاقات، وهي بهذا الاعتبار وقت عمل حقيقي، لكنه من نوع آخر، يتميز بدرجة أعلى من الحرية في تنظيمه وإدارته وتوجيه لتحقيق الأهداف الفردية.

* الإجازة ليست نوماً:
يعتقد كثيرون أنهم كلما زادوا من ساعات النوم كان ذلك صحيًا بشكل أكثر، وهذا اعتقاد خاطئ – كما يقول أهل الطب-إذ لو كنت تنام مدة خمس ساعات بالليل فقط، وتشعر بالنشاط في اليوم التالي فإنك لا تعاني من مشكلات في نومك.
بل يشير المختصون إلى أن من الخطأ الاعتقاد بأن الوقت الصحي للنوم هو 8 ساعات لمن تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً، و ثمة دراسات أثبتت أن النوم لمدة 6 ساعات كاف في الحصول على الراحة وتحقيق أكبر فائدة ممكنة لصحة الإنسان، وأن ذلك يمثل وضعاً طبيعياً صحيحاً للجسم، ولهذا ينبغي التعامل مع (النوم) بوصفه حاجة للجسم لابد من تحقيقها، لا باعتباره لوناً من المتعة يتم الاستكثار منها.

*  قبل العودة من الإجازة ..غيّر إطار  تفكيرك:
يشعر الكثيرون عند عودتهم إلى أعمالهم بعد انقضاء الإجازة السنوية بشيء من الكآبة جراء تحمل الهموم والمشكلات الناشئة عن بداية العمل وانتهاء وقت الراحة، وهذا الشعور لا يغير من واقع الحال شيئاً، فالإجازة قد انتهت، والعمل قد أقبل شئنا أم أبينا.
 فمتى فرغت من إجازتك، فاحرص على أن تأتي للعمل بروح جديدة، مليئة بالحيوية والنشاط، والرغبة في النجاح والتجديد وإحداث التغيير، ولتستفد من هذا الهدوء في إعادة النظر في طبيعة الأعمال التي تمارسها بشكل روتيني، والتفكير في طرائق التجديد التي يمكنك تنفيذها لكي تضفي على العمل الممل طعماً رائعا جديداً.
إنك بذلك تصنع من الليمون الحامض شراباً حلواً، فإننا مهما تحدثنا عن حموضة الليمون وصعوبة تجرعه فلن يخفف ذلك الحديث من طعم الليمون شيئاً، ولن تحل المشكلة، غير أن  وضع قطع السكر على ذلك العصير الحامض يمكنه أن يحل المشكلة.
إذا فالحل في تغيير تصوراتك القديمة عن عملك ورتابته وإملاله، و اتخاذ عدد من الخطوات العملية لإضفاء السكر، وستجد نفسك وقد أصبحت أكثر إقبالاً ونشاطاً وإنتاجاً.

أخيراً .
حذاري من تجميع الإجازات وجعلها رصيداً ، وتأجيل المتعة المنتظمة إلى حين التقاعد والاستقالة، فإنك لا تدري عن حالك يومها، وهل تدركها أصلاً .

( إن العقل قادر على أن يصنع من الجحيم نعيماً، ويصنع من النعيم جحيماً )
جون مولتون

دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan

أبريل 20, 2017

أصوات المرجفين!


أيها المدير الجديد، أو المقبل حديثاً على تولي مهمة إدارية:
حين تدرس العرض المقدم لك لكي تعمل "مديراً" فيجب عليك أن لا تصغي للفاشلين والمنزوين وغير المجربين، أصحاب الهمم المتدنّية الذين يخوّفونك من أشياء لم يعرفوها ولم يجربوها..
وحديثهم فيها كحديث المفلس عن مخاطر الثروة..
أو حديث العاميّ عن سلبيات القراءة والتعليم!.
لا أقول هذا الكلام تنظيراً فحسب، بل إنني أتحدث عن تجربة عايشتها بنفسي.
ففي حياتي العملية الوظيفية، حين قررت الانتقال من العمل (معلماً) إلى العمل (وكيلاً لمدرسة)، وقمت بالترشّح لذلك، جاء إليَّ جملة من المُخذّلين من زملائي في المدرسة، يخبرونني عن صعوبات العمل في مهمة "وكيل مدرسة"، وعن خطورة التفريط في بيئة العمل الحالية التي أعمل فيها معلماً، ويذكّرونني بأن المدرسة التي سأصبح وكيلاً لها تقع في حيّ من أحياء من مدينة الرياض التي يغلب على الظن صعوبة ضبط الطلاب فيها، وأخذ بعضهم يتطوّع فيروي لي قصصاً وأساطير عن وكلاء ومديرين تعرضوا للاعتداء على ذواتهم، أو على ممتلكاتهم، وأخذوا يسوقون لي من التخويفات الشيء الكثير!
( إذا لم تحاول أن تفعل شيئا  أبعد مما قد أتقنته، فإنك لا تتقدم أبدا)
رونالد اسبورت
ولو أنني استمعت لنصائحهم حينها لكنت - حتى اليوم - في مدرستي وبنفس مستواي وقدراتي وعلاقاتي وخبراتي، غير أنّ الله أعانني على تجاهل تلك الوصايا المسمومة التي كانت مغلّفة بمشاعر الخوف والحبّ أحياناً.
لقد أقدمت على المهمّة، وتقبّلت المخاطرة، وعملت بالمبدأ الذي يقول (الحياة التي ليس فيها مغامرة : لا تستحق أن تعاش)، وأدركت أنه لن تحدث كارثة كبرى حين أفعل هذا الأمر، واعتبرت أن "الأوهام" التي ساقوها هي مجرّد ظنون، و (إنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً) .

وكنت أقول لنفسي :  (لو أنني فشلت في المهمة بعد بذل الجهد والطاقة، فالعمر لم ينته، وخيارات العودة لم تغلق، فعودتي للعمل معلماً هي الخطوة الأيسر)، لذا فقد واصلت التقدّم، فانتقلت بعد عام واحد من العمل وكيلاً لمدرسة متوسطة ، إلى العمل وكيلاً لمدرسة هي من أكبر ثانويات الرياض حجماً ، وكان عدد طلابها يجاوزون الألف طالب، وواجهت حين هممتُ بهذا الانتقال الآخر موّالاً من التثبيط والتخويف، وكنت قد وعيت الدرس فلم أعر هذا الموال اهتماماً ، فتقبّلت المهمة، ووجدتني أتعلم منها الكثير، وأكتسب من الخبرات والمعلومات والعلاقات مالم أكن لأحصل عليه لو رضيت بالبقاء في موقعي السابق.

وقد يسّر الله لي بعد ذلك الانتقال للعمل مشرفاً تربوياً، ثم مديراً لأكثر من وحدة إدارية في مجال الإشراف، ورئيساً لعدد من اللجان، ثم نائباً لمدير مركز التجهيزات المدرسية وتقنيات التعليم بمنطقة الرياض التعليمية لعدّة سنوات.

وقد وجدتني في كل مهمة جديدة أنمو وأتقدم وأتعلم وأتعرف، وجدتني شخصاً آخر في كل مرّة، بفضل الله وتوفيقه، ثم باصطحاب شعور الإقدام لا الإحجام، والتعامل مع مشاعر الخوف بطريقة تحدّ من تأثيراته.
مردداً : لن تحدث كارثة كبرى حين أجرب العمل في هذه المهمة.

( أفضل وسيلة للهجوم على الخوف ..
 هي الإقدام على الشيء الذي تخشاه)
روبن شارما

دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan 

أبريل 15, 2017

أقدم حين يجعلك الخوف متردداً


يعترينا الخوف دوماً من كل جديد، فالمنصب الجديد، والعمل الجديد، والمجال الجديد، والتخصص الدراسي الجديد، كلها أمور يشعر المرء تجاهها بشيء من الخوف والرهبة، ويجدُ نفسه متردداً في الإقدام.
ولكي تتقبل هذا التغيير برحابة صدر تذكّر جيداً أنك حين تشتري حذاء جديداً ستشعر في أول الأيام بشيء من الضيق وعدم الملائمة، لكن ما إن تمر هذه الأيام الأولى إلا ويبدأ الحذاء والقدم في التوافق مع بعضهما، وتجد راحة بعد شيء من التعب، ويصبح كأنما صنع مخصصاً لقدمك أنت، فكذلك الأمر في المهمة الجديدة بالنسبة لك.
ويعتبر هذا التخوّف شعوراً طبيعياً يمر على الإنسان في أحوال مختلفة، غير أن الناجحين يتعاملون مع "شعور الخوف" ويضعونه في مكانه المناسب، فالخوف والتوتر – إذا أحسن توظيفهما –  عوامل نجاح لا فشل.

فحين يشرع المرء في ذلك العمل الجديد مصطحباً شعور الخوف والرهبة، فإنه يندفع لبذل المزيد من الجهد والاهتمام، وأخذ الأمر بشكل أكثر جدية، والحرص على تحقيق النجاح، خلافاً للأمور التي يأخذها الإنسان بنوع من اللامبالاة، والتساهل والتراخي.
غير أن الخوف – إذا زاد عن حده وتجاوز منسوبه الطبيعي– يصبح عائقاً دون البدء في الكثير من الأعمال والمشاريع الجديدة، ويصبح بوابة للفشل، بدلاً من أن يكون دافعاً للنجاح.

 "كل شخص منا يجب عليه مجابهة خوفه, فطريقة تعاملنا مع خوفنا ستحدد لنا مسار حياتنا إلى الأبد. فإما تجربة المغامرة أو أن خوفنا سيكون هو آخر حدودنا"
جودي بلوم
 وهذا كلّه في الحديث عن (الخوف من الجديد) و(الخوف من الفشل)، غير أن ثمة لون آخر من ألوان الخوف يضرّ الجادين، إنه  "الخوف من النجاح"!
وقد تتعجب من وجود شعور بالخوف من النجاح، لكنه موجود فعلاً، فترى المبتلى به يحسب حسابات كثيرة للمستقبل الذي ينتظره بعد النجاح، والتبعات المترتبة عليه، فيشعر أنه ليس أهلاً لها، فتجده خائفاً من الفشل وخائفاً من النجاح في آن واحد، ولذا تراه محجماً عن المزيد من الخطوات الموصلة للهدف، لكي لا يبرز ويظهر ويُعرف لدى الآخرين، وهو شعور يجب تجاهله بالكلية وعدم الالتفات إليه، والسعي الجاد الطموح للوصول إلى أعلى درجات النجاح، وتحمل ضريبته المتوقعة، وعدم المبالغة في توقع التبعات المترتبة على النجاح.
"مفتاح التغير هو أن تترك خوفك"
روزانه كاش
دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan

* هذه التدوينة جزء من كتاب "مدير لأول مرّة" الذي سيتم نشره قريباً بإذن الله.

أبريل 13, 2017

تكليف بوظيفة (مدير) لأول مرّة


لم يكن تكليفي بالعمل في مجال الإدارة مفاجأة لي، والمسألة هنا ليست غروراً أو محاولة لإظهار التميّز، لكنني كنت أرى ثمة مؤشرات تدل على أنني سأحصل على هذا المنصب الإداري اليوم أو غداً، في هذه الدائرة أوتلك .
لكنني – مثل كثيرين – لم أكن أتوقع أن تسير الأمور بهذا الشكل، ولا أن أواجه جملة من المصاعب والمتاعب التي باتت تأكل معي وتشرب.
ولم تكن التجربة الأولى في تولي العمل الإداري تجربةً يسيرةً، كما لم يكن الطريق إليها محفوفاً بالورود دوماً، إذ كان لابد دون الوصول للشهد من التعرض لعدد من وخزات إبَرِ النّحل.

هذا أنا، وإنني أدرك أنك أنت ربّما تنقّلت في حياتك العملية من مكان إلى آخر، وربما توليت المسئولية عن إدارة شخص أو عدد من الأشخاص، أو كُلّفت بإدارة منظمة أو قطاع بأكمله متى كانت لديك الرغبة أو المؤهلات أو هما معاً.

وما من شك أن تولي منصب "المدير" لأول مرة يعني الإقدام على خوض تجربة جديدة، والمرور بشكل حذر بين حقول الألغام في أحيان كثيرة، حيث تقع بوصفك مديراً جديداً بين تطلعات المسئولين الذين وافقوا على تعيينك، و متطلبات العاملين الذين ينتظرون منك أموراً متعددة تحقق مصالحهم، إضافة إلى الطبيعة الفنية للعمل ومشكلاته وتحدياته.

وهي – أعني الإدارة لأول مرة - قد تكون تجربة عسيرة في بداياتها، لكنها مبهجة حين يجتاز المرء المهمة بنجاح، مستصحباً الأدوات اللازمة للنجاح.

إن من المهم أن تدرك جيداً بأنه حيثما تكون مخاوفك.. تقع أعظم فرص نجاحك.
فالكسالى الذين يؤثرون الراحة والدعة، ويفضلون الأمور المعتادة على الأمور الجديدة، سيجتنبون أي تغيير في حياتهم يمكن له الحدوث، طمعاً في الراحة الجسدية حيناً، وخوفاً من الفشل حيناً آخر.

ومن المؤكد أن (الموانئ) هي أكثر الأماكن أماناً بالنسبة للسفن، فلا صخور، ولا شعب مرجانية، ولا أمواج عاتية، ولا قراصنة، لكنَّ السفن لم تصنع لتمكث في الميناء الآمن، بل لتجتاز المصاعب، وتعبر عباب البحر بكل تحدياته وأمواجه ومخاطره، وهذه ميزتها الرئيسية التي جعلتها مهمة في حياة الناس، وإلا فحين تكون واقفة في الميناء، فإن اليابسة أكثر أماناً وسعةً واستقراراً منها.
 والأمر ذاته ينطبق عليك أنت!

إذاً لابد لك من الإقدام وخوض التجارب، وتقبل المهام بعزم وحزم، وتخطي منطقة الأمان والراحة، فهذا السلوك يصنع منك شيئاً مختلفاً، ويصقل شخصيتك، و يجوّد خبرتك.

إنني أحفّزك وأدعوك لتقبل المهمة الجديدة، والإقبال عليها بتفاؤل واستعداد، كما أنني أذكر لك جملة من النقاط المهمة التي يجب أن تقال لك بوصفك مديراً جديداً.
أمورٌ يجدر بك مراعاتها، وأخذها في حسبانك، لكي تحقق النجاح في مسيرتك الجديدة، وتكون هذه المهمة التي توليتها نقلة حقيقية لك في مجال الخبرة والإنجاز.

وقد أجملتها في جملة من المداخل المهمّة التي يمكنك قراءتها متسلسلة كما هي، فقد حرصت فيها على الإيجاز، كما أن بإمكانك أن تقرأ المداخل التي ترى أن حاجتك إليها أكثر.
وتذكّر دوماً أن الوقاية خير من العلاج، وأن الاطلاع المسبق على هذه التوصيات من شأنه أن يجنبك الوقوع في مأزق يؤثر على مسيرتك الجديدة، راجياً أن تكون الآن مستعداً ومتحفزاً في الوقت ذاته.
فهيا بنا ..

* هذه التدوينة هي مقدمة لكتاب "مدير لأول مرّة" الذي سيتم نشره قريباً بإذن الله.

أبريل 09, 2017

يا رفاق : أوقفوا التدريب المعتاد


ليس الحديث في هذه التدوينة عن أهمية التدريب، ولا عن عدم أهميته، فما من شكّ أن التدريب مهمّ للغاية.
لكن، أحد مشكلاتنا أننا نتعامل مع التدريب على أنه وسيلة لتحقيق المعرفةّ، وأنه الوسيلة الوحيدة للتطوير!.
وهذا الكلام يمكن أن يكون صحيحاً لو كانت هذه المعرفة "محتكرة" لدى المدرب وناتجة عن ممارسته الشخصية الطويلة، أما إذا لم تكن كذلك - وهو الأمر السائد في أغلب الدورات إن لم يكن كلها - ؛ فإن طرق تحصيل المعرفة الحقّة هي من خلال القراءة للكتب لأنها تحتوي عصارة وخلاصة خبرة الكاتب في هذاالمجال، وليست من خلال الجلوس على طاولة مستديرة والاستماع لأحدهم لسويعات.
ولأننا تعوّدنا على  أن يكون تحصيل المعرفة من خلال (إلقاء المدرب وعرضه التقديمي) لكونه أيسر لنا، فإننا ارتضينا أن يدربنا غير الخبير ليقدم لنا نتفاً من المعلومات حول عنوان الدورة !.

ولأننا قادمون للدورة التدريبية بذهن فارغ من المعلومات عن (الموضوع) الذي سيتم التدريب عليه، فإن  كلام المدرب - أياً كان استعداده  ومستواه وجودته - سيغدوا أمامنا  فتحاً مبيناً ، وعلماً جديداً يستحقّ إمضاء الوقت للأجله.


ولهذا فإنني أدعو إلى تغيير رئيس في أسلوب التدريب .
وذلك بأن تكون الدورات في أساسها ولبّها نقلاً للمهارة لا للمعرفة، وأن يبتعد المدرب عن المقدمات التنظيرية الكثيرة التي تصلح لغير المطّلعين.

كما أدعو لأن يلتزم المتدرب قبل حضور الدورة التدريبة - وكمتطلب لها - بقراءة كتاب أو كتيّب عن موضوع الدورة، بحيث لا يطيل المدرب في المقدمات (ألتي قرأها كل المتدربين) وينتقل مباشرة للمهارة ، وخاصة أننا نعيش اليوم وفرة طاغية في جانب المعلومات المجانية المتاحة على شبكة الإنترنت، بحيث لم يعد لمعتذر أي عذر في عدم المعرفة.

وبهذه الطريقة المقترحة في التدريب ( وهو أن يكون التدريب لنقل المهارة والخبرة مع اشتراط الاطلاع المسبق من المتدرّب على موضوع الدورة)  فإننا سنحقق أموراً عديدة:
1 - حصول المعرفة الأصلية الموثفة من مصادرها للمتدربين .
2- اختصار أوقات الدورات التدريبية والتي تمتد أحياناً لأسبوع أو أسبوعين!.
3- تركيز جهد المدرّب في مجال نقل المهارة والخبرة والتدريب عليها.
4- التزام المدرّب بالاستعداد الجيّد للدورة لكون المتدربين ممن سبق لهم القراءة حول الموضوع.
5- توفير الأموال و تقليل الهدر نتيجة للمحافظة على الأوقات وتقليل مدد الدورات.
6- عدم دخول غير الجادّين للدورات التدريبية لكونها تتطلب استعداداً مسبقاً .

وأدرك أن هذا الأمر لن يقوم به المدربون، فسوقهم إنما تقوم على هذا الإقبال الكبير على الدورات دون اطلاع مسبق. 

لكن مسئولية مثل هذا الإجراء المقترح إنما يقع على مسئولي الموارد البشرية في المؤسسات والمنظمات، الذين أتوقع أن يجعلوا في خطتهم لتطوير الموارد ( القراءة الفردية الموجهة - الاستماع والمشاهدة لمواد تثقيفية عبر الإنترنت - مجموعات القراءة الداخلية - إعداد أوراق العمل ). 
وأن يجعلوا حضور أي دورة تدريبية لها متطلب سابق يقوم به المتدرب، وأن يعيدوا النظر في الحقائب التدريبة والخطط الزمنية للدورات لحذف كل ما ليس في سياق نقل الخبرة والمهارة.

وهو جهد متعب، لكنّه فعّال واقتصادي ومثمر على الفرد وعلى المنظمة وعلى سوق التدريب بعامة.
فهل من مبادر ؟


دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن

@binoshan

أبريل 04, 2017

أيها المرأة السعودية : كوني حرّة


لطالما دبّجت المقالات والروايات والهاشتاقات، ونفّذت الحملات، والمسلسلات عن موضوع (المرأة السعودية)، ومناقشة القيود المفروضة عليها، باعتباره موضوع العصر وقضية القضايا، وكانت ولازالت جهود كثيرة ونشطة تُبذل لأجل هذا الأمر.
وهذه الجهود ليست وليدة اليوم، لكنها جزء من مشروع ضخم بعيد المدى، يستخدم كافة الوسائل والأدوات لتحقيق هدفه، مع الحريص على الـ بطيء لكن مفعوله مؤكد، وإن بدا اليوم أن أنفاس القائمين على هذه المشروعات لم يعد لديهم النفس الطويل الذي كان عند أسلافهم.
وأحد الوسائل الرئيسية المستخدمة للإقناع والتأثير هو :
السعي بكل الجهد إلى تحسين صورة المرأة الغربية، وإظهار جوانب "الإبهار" في حياتها، والتي تجعل كل فتاة تطمح في الانتقال لهذه الجنة الدنيوية، وإلى تلك المدينة الفاضلة التي تعيش فيها كما يفترض أن تعيش، بكامل الحقوق، وتشعر بإنسانيتها.
وفي الوقت الذي تعرض فيه تلك القنوات والصحف والمجلات الحال (الرائعة) للمرأة الغربية، تتجاهل تلك الوسائل – عن عمد - كل المآسي والصعوبات والعقبات والمظالم والانتهاكات التي تقع على المرأة الغربية، من الأولاد القادمين من غير زواج، إلى التعرض المستمر للمضايقات الجنسية والتحرش في المدرسة وفي الجامعة وفي مكان العمل، إلى الحاجات الفطرية التي لا تلبى بشكل صحيح، إلى الخيانات التي تحولت إلى أمر طبيعي، إلى مواصلة الكدّ والجهد والتعب دون مراعاة للحاجات النفسية والصحية للمرأة.

 مع اضطرار المرأة هناك – وفقاً لنظام المجتمع الليبرالي - للخروج المستمر من بيتها كل يوم ولأكثر من مرة مما يخالف طبيعة المرأة وحاجتها للسكون والاستقرار والقرار، فضلاً عن ألوان من الضغوطات التي تواجهها، والمظالم التي تقع عليها، وانسياقها وراء الشهوة المحرمة، وفقدان العقل من خلال المسكرات والمخدرات، والوحشة في نفسها من جراء البعد عن الله وفقدان الهدف الحقيقي الذي خلقت لأجله، في نموذج صارخ لعدم الاتزان بين مطالب الروح والعقل والجسد، وهي نماذج أكثر من أن يحاول أولئك سترها، أو تحييدها باعتبارها نماذج شاذة.

ومع ذلك كله، يتم التعمية على كل هذه الإخفاقات الكبرى، ومحاولة ستر هذا الوجه المظلم الكبير المشين، والسعي لإظهار جزئية يسيرة من حياة المرأة الغربية باعتبار ذلك "حرية وانعتاقا" للمرأة الغربية.

إنه التضليل يا سادة.

وللتأكيد على طبيعة الواقع الذي تعايشه المرأة الغربية، إليك هذه الإحصائيات العجلى:
متوسط عدد النساء اللواتي يقيم معهن الرجل الأمريكي علاقات جنسية هو سبع نساء، بل إن 29 % من الرجال قد أقاموا علاقات جنسية مع أكثر من 15 امرأة في حياتهم، و 42% من البريطانيين اعترفوا بإقامة علاقة مع أكثر من شخص في نفس الوقت بينما نصف الأمريكيين يقيمون علاقات غير شرعية (مع غير أزواجهم). وكانت النسبة في إيطاليا 38 ٪ وفي فرنسا 36 ٪.

أما في أمريكا فإليك هذه الإحصائيات المرعبة،
حيث أن هناك عشرة ملايين أسرة تعيلها الأم فقط (دون وجود أب)، و يقتل بالإجهاض أكثر من مليون طفل سنويا، ويوجد أكثر من 65 مليون شخص مصابون بأمراض جنسية لا يمكن شفاؤها، ويتم اغتصاب 683 ألف امرأة سنوياً، وتثبت التحقيقات أن  40 -50 % ممن يقتل من النساء يكون القاتل هو شريكها الحميم (زوج أو صديق)، و 78 % من النساء في القوّات المسلّحة تعرضن للتحرش الجنسي من قبل الموظّفين العسكريّين، كما أن خمسين ألف امرأة وطفلة يتم تهريبهن إلى الولايات المتحدة سنوياً لاسترقاقهن وإجبارهن على ممارسة البغاء، أما في مجال الوظائف فإن 97 % من المناصب القيادية العليا في أكبر الشركات يشغلها رجال، كما أن 89 % من الخدم وعمال التنظيف هم من النساء، و أما ختام مسيرة المرأة هناك فإن نصف عدد النساء الأمريكيات ممن تجاوزن 75 سنة يعشن وحدهن.

فأي هاوية يريد الإعلام المنحرف ودعاة الرذيلة أن يسوقوا نساءنا إليه؟ وأي نموذج يسعون أن نكونه؟

* ما أجدرنا للاصطفاف في صف واحد ( حكومة وشعباً) ضدّ هذا المدّ التغريبي العنيف الذي يجتاحنا، ويسعى لإحراق المراحل، وانتزاع العفّة والحشمة والحياء والطهر من مجتمعنا بالقوة انتزاعاً .

ولا أملك في نهاية المقال إلا أن أحيي كل الجهود الصادقة التي تنشط دوماً للوقوف أمام كل حملة إعلامية تطلقها هذه القناة أو تلك الجهة، وأرفع القبعة لهم تقديراً لأنهم يدفعون عن المجتمع السوء، ويمنعون الحمقى من خرق السفينة.


دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan

للاستزادة 
نشر في صحيفة تواصل من هنا 

أبريل 01, 2017

القبعة .. والتشبه بالكافرين

كنت في المسجد المجاور لمركز الملك عبدالعزيز التاريخي بالرياض، وقد أتيت للمسجد لابساً ثوبي المحلّي، وقبعة سوداء على رأسي في هذا اليوم الذي أخصص جزءاً منه للخلوة والقراءة في المكتبة العامة.
وبعد أن فرغت من صلاة الظهر، سلّم علي أحدهم، ونصحني بأن لا ألبس هذه القبعة، لأن لباس القبعات هو من التشبّه بالكفار، والنصوص جاءت بالنهي عن التشبّه.
شكرته بكل ودّ، وقلت له : جزاك الله خيرا.
مع أنني غير مقتنع بقوله، لكنني أردت عدم الجدال.
ويبدو أن الأخ - جزاه الله خيراً - لم يعتد قبولاً فورياً للنصيحة، أو أراد تثبيتها، فكرّرها عليّ، ولم أكن أريد نقاشه في المسألة، فلا المكان ولا الزمان يناسب لشيء من ذلك.
جلس الأخ بجواري بعد أن كان واقفاً ليثبت رأيه بالتحريم مع أنني لم أعترض على استدلاله رغم يقيني ببطلان فهمه للحكم .
وحين وجدته "عازماً" على الإطالة أفهمته أن النصّ الشرعيّ جاء بتحريم "المشابهة" ولم يأتِ على ذكر هذا اللباس تحديداً، والنص جاء بالنهي عن التشبه بالكافرين، وأبنت له أن الملابس والأشياء التي علة تحريمها "المشابهة" يزول تحريمها بزوال الصفة والعلّة التي لأجلها ورد التحريم، وهو"التشبه" ؛ فإذا انتشر لبس من لباس الفرنجة على المسلمين وذاع بينهم حتى زالت عنه صفة المشابهة، انتفت عنه هذه العلة، وانتفى التحريم تبعا لذلك، مالم يكن في اللباس علّة أخرى تحرّمه، كأن يكون من مادة محرمة كالحرير للرجال، أو كأن يحتوي على المحرمات كالصليب، أو يكون كاشفاً للعورة أو مجسماً لها، أو نحو ذلك.
لكن الرجل أخذ يسرد لي الحالات الاستثنائية التي "يُفتي" فيها بجوازالقبعة، كالمريض، أو الذي يعمل في الشمس الحارقة، وغيرها من الحالات التي اعتبرها هو من باب الضرورات!
فاجبته بسؤال:
هل تحريم القبعة ذاتها وارد في النص بشكل مسمى فلا مجال للاجتهاد فيه، أم هو اجتهاد منك في تطبيق النص الشرعي على هذه الواقعة؟
فحاول أن يحيد. فأعدت السؤال ولم يجب، فأجبته: 
لم يرد نص شرعي يخصّ هذا اللباس الحادث، وقصارى الأمر أنك اجتهدت (أنت أو سواك) في تنزيل النص على الواقعة وهو ما اختلف فيه معك كليا، فلا توضّح لي أهمية التزام النصوص، ولا تحدثني عن ضرورة ترك المشابهة، ولا تسرد لي حالات الاستثناء، فكما يقال ( ثبّت العرش ثم انقش)، أثبت لي استمرار وجود علّة المشابهة، فيكون التحريم صواباً .
ثم ضربت له أمثلة أخرى مما عمّ وانتشر حتى زالت فيه علة المشابهة كالبناطيل والجنز والبدل الرسمية ونحوها، وبينت له أن المحذور الشرعي هو "المشابهة" وأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً .
وأشرت للقلم الذي يحمله والساعة التي يرتديها والجوال الذي يقتنيه مبينا له أنها ليست محرمة لأنها ليست سمة مميزة لهم، وأبنت له أن من نماذج الألبسة التي لازال حكم التحريم ملاصقاً لها : عمامة السيخ وطاقية اليهود التي كانت ولازالت علامة فارقة عليهم.
لم يتقبل الأخ كلامي، وكرّر مقالته التي بدأها أول مرّة.
فشكرته، وأبنت له أنني أعتقد الجواز، فقام من جلسته تلك .. وهو يحدّث نفسه.

ما أحوجنا إلى التناصح فيما بيننا.
وإلى الاحتساب دوماً.
وإلى العلم الشرعي الذي به نستنير.

دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan

________________________
* تنويه . لم أحدثه عن الصلع الذي بدأ يغزو مقدمة الرأس، ولا عن بعض الشيبات التي أخذت في الانتشار، والتي جعلت هذه القبعة تسترهما حتى أبدو أكثر شباباً وأبعد عن المشيب.
وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر