ديسمبر 29, 2016

السكوت لا يعني الجهل!


يقال أن فتى كان يحضر ولائم العشاء مع بعض أقاربه وجيرانه، وكان تناول العشاء يتم في ظلام دامس حيث لم تكن الكهرباء متاحة حينها..
فكان الفتى يرجع لأمه في المساء ويخبرها بأنه أكل كثيراً من اللحم تاركاً باقي أصناف الطعام، مستغلاً الظلام، وأن الرجال لم يعرفوا حجم أكله للحم، ظانين أن الجميع قد أكل حتى انتهى اللحم سريعاً.

فأدركت الأمّ أن لدى ابنها وهماً كبيراً حيث يظن السكوت دوماً دلالة على عدم المعرفة!
فطلبت منه في الوليمة القادمة أن يجرب حين يريد قطع اللحم في ذلك الظلام، أن يسحاول قطع اللحم بالسكين مقلوبة، وأكدت عليه ذلك.
فتعجب من غرابة طلبها، لكنه وافق عليه، ووعدها بأن يفعله.
فلما حضر العشاء، وبدأ الناس - وهو معهم - في تناول الطعام، أخذ السكين وأقبل بها على اللحم ليقتطع منه كالمعتاد..
ثم تذكر وصية أمه، فقلب السكين، فما إن وضع سكينه على اللحم حتى ناداه أحد الرجال : يا غلام، السكين مقلوبة فعدّلها!

فعدل سكينه، وكف عن أكل اللحم واكتفى بما سواه، وقد علاه الوجوم والحياء والإطراق..

انتهى العشاء، وتفرق الناس، ورجع الفتى لأمه وقد تعلّم الدرس جيداً:

إن سكوت الناس عنك،
وتغاضيهم عن بعض أفعالك،
وتوقّعاتك بأنك "ذكي" قد أفلحت في خداعهم،
لا يعني أنك ولا أنك كذلك دوماً،
ولا يعني سكوتهم أنهم لم يعلموا بصنيعك،
لكنهم عرفوك وعرفوا ماتقوم به،
ثم تركوك ترفعاً أو إهمالاً أو تصيداً.
فانتبه! 

كم نحتاج لهذا الدرس في حياتنا !

ديسمبر 16, 2016

سنوات مع المانحين (2)

مدرسة العمل المانح
تعلمت في هذه السنوات اليسيرة أهمية وضع معايير للمشروعات وبناء مؤشرات لها، فقد كانت المشاريع في ذهني أفكاراً مجردة، يتم نقلها للميدان فور انقداحها في الذهن، لتطبيقها على أرض الواقع، لكنني بعد أن خضت هذه التجربة أدركت أن هناك أسئلة هامة قبل أن أنتقل إلى خطوات التنفيذ الفعلية.

كانت هناك مجموعة من الأسئلة المتكررة، والتى تعودت سماع زملائي يلقونها على الشركاء المختلفين، وكنت أرى الصدمة في وجوده الكثير من الشركاء، ولا أعني هنا كافة الشركاء، لكنني أتحدث عن عدد غير قليل منهم.
كان السؤال عن "الدافع" و"السبب" والمبدوء بـ(لماذا) سؤالاً مشروعاً وحاسماً في الوقت ذاته، ولقد التقيت بعدد من الأشخاص، كان هدفهم من المشروع أن ينطلق!
وأحياناً يكون الهدف أن يتم وضع علامة ( ) أمام المشروع في الخطة الخاصة بالجهة، وليس لدى القائم على المشروع أي مسببات مقنعة لمشروعه هذا! ،
وأحيانا يكون الهدف : مجرد اقتحام مجال جديد والمسابقة إليه، فالمسابقة لأجل المسابقة!
وكان السؤال عن "المشكلة" التي جاء المشروع لكي يحلها يعيد النقاش للمربع رقم واحد، بدلاً من الخوض في تفاصيل المشروع.
أحياناً يدرك المجتمعون فعلاً أن هناك دافع حقيقي، ومشكلة قائمة مؤرقة جعلت صاحب المشروع يطرحه، ويتبناه، لكن النقاش البناء يفتح حلولاً أخرى، ويتيح سبلاً جديدة للمعالجة، فنكتشف -سوياً- أن ثمة أفكار كثيرة لحل المشكلة غير المشروع المطروح وأن بعض تلك الأفكار قد يكون أقل جهداً وتكلفة وأكثر أثراً وفائدة.
لقد صقلت الخبرة المتراكمة تلك الشخصيات العاملة في مجال المنح، فجمعوا إلى خبرتهم السابقة في مجال التعليم أو القضاء أو غيرها خبرة جديدة وأوجدوا خليطاً متميزاً، فكانوا بحق مشاعل هدى ونور، وكانت كلماتهم وتعليقاتهم وملاحظاتهم مدرسة حقيقية، يتعلم ويستفيد منها الزائر أكثر من استفادته في الجانب المالي بالدعم لذلك المشروع.
ولطالما ردد الشركاء على اختلاف مناطقهم : "لقد كانت الفائدة من زيارتكم والجلوس إليكم ومتطلباتكم أهم وأغلى وأفضل من الدعم الذي قدمتموه لنا".