يونيو 28, 2024

نحو"مسؤولية مجتمعية" فاعلة

في حديثه الرائع عن "المسؤولية الاجتماعية" للشركات، أشار أ.محمد بن عبدالعزيز السرحان  في كتابه "وقفات إدارية" إلى أهمية اضطلاع القطاع الخاص بدوره تجاه المجتمع، ذلك الدور المنسي عند الكثير من الشركات عموماً، والكبرى منها على وجه الخصوص.

والحقيقة أن المتأمل في دور عدد من الشركات العالمية تجاه مجتمعاتها، بل وتجاه العالم بأسره، يدرك أن هناك نماذج متميزة جديرة بالاحتذاء، وأن ما تصنعه "المسؤولية المجتمعية" من نجاحات يدفعنا للتداعي لمناقشة هذا الملف، وإعادة النظر فيه، وترتيب أوراقه، وحشد الطاقات والموارد من أجل إيجاده، وصولاً إلى "قطاع مسؤولية مجتمعية" فاعل ومؤثر ومنافس.

وليست المسؤولية المجتمعية تبرعاً مقطوعاً تقوم به الشركة في حال حدوث الأزمات أو الكوارث، ولا تجاوباً مع طلبات الدعم التي تصل إليها من هنا وهناك، كما أنها ليست أعمالاً خيرية أو تبرعات فردية يقوم بها الموظفون أو الملاك حينما يرغبون.

إن "المسؤولية المجتمعية" مسار تأثير استراتيجي في قضايا المجتمع، يستهدف تأثيرات بعيدة المدى، ويحتاج إلى موارد مالية منتظمة، وكبيرة، بما يمكّن من بناء الخطط والاستراتيجيات، ويعين على قياس الأثر.

ولكي تنجح المسؤولية المجتمعية في الشركات وتظهر آثارها، ويتحقق المقصود منها، فإن الحاجة ماسة لعدد من الخطوات.

فأولها : موافقة أعلى سلطة في الشركة على تخصيص نسبة مئوية محددة من الأرباح السنوية للشركة لتكون موجهة نحو المسؤولية المجتمعية، وحينها لا يكون الأمر مرتبطاً بقناعات شخصية لبعض الأعضاء أو المديرين، بل نظاماً يتم العمل به في كل الظروف، كما أن تخصيص تلك المبالغ عند صدور القوائم المالية للشركة، يدفع الشركة لتخصيص حساب بنكي مستقل يضمن دفع المسؤولين إلى تنفيذ البرامج المخطط لها.

وأما الثانية، فأن تحدد الشركات مجال تركيزها وتأثيرها المنشود، وتختار القضايا التي ستعمل عليها، والتي يمكن أن تكون ضمن طبيعة ونطاق عمل الشركة وحدود عملها، ويمكن أن تكون خارجة عن اختصاصها التجاري، فيمكن أن تختار الشركات الطبية بالإضافة إلى دورها اليومي الذي تقوم به، أن نتوجه نحو حل بعض المشكلات الصحية الكبرى أو التخفيف منها أو اكتشافها، أو الضخ باتجاه إيجاد تشريعات تحقق حلاً مستداماً يكفل تحقيق ذلك، ويمكن لشركات الكهرباء أن توجد الأدوات المناسبة والحلول التقنية التي تساهم في جعل منازل الفقراء أكثر توفيراً للطاقة، بتأمين بعض المستلزمات، أو تقديم التوعية والإرشادات المناسبة التي تصب في نهاية المطاف في التخفيف من أعباء فواتير الخدمة على تلك الفئة المحتاجة، وعلى هذا يمكن القياس في الشركات الزراعية، والبنوك، وشركات الاتصالات، والنفط وغيرها، ومما يميز هذا النوع من التوجه أنه يمكّن الشركة من العمل في مجال اختصاصها، ويساعد على الاستفادة من موارد الشركة، وطاقاتها البشرية وخبرتها العريقة، وشراكاتها، في تحقيق تلك المسؤولية.

وفي الوقت ذاته يمكن للشركات أن تختار قضايا أخرى – ولو كانت بعيدة عن اختصاصها – لكنها ترى أنها القضايا الأكثر إيلاماً ، أو الأشد حاجة، أو الأنسب للتدخل والمعالجة، فتقرر الشركة أن تكون مساهمتها  - مثلاً – في تحسين جودة الحياة في المناطق التي تعمل فيها، بإنشاء الحدائق، ومضامير المشي، والمعارض العلمية والثقافية، أو تهتم بمنطقة محددة وتسعى لتقديم نموذج يحتذى في مجال من مجالات الاحتياج، أو تعتني بفئة من المعاقين وتعمل على خدمتهم، وتقديم الحلول لهم، والمساعدة في بناء المنظمات التي تخدمهم، والتشريعات التي تخفف عنهم، ويمكن للشركة أن تهتم بالمحافظة عل البيئة، وحلول التدوير للمخلفات، ونشر الوعي في المجتمع، وخدمة الفئات الهشة، او القطاعات التي لا تلقى العناية الكبرى من القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الثالث.

وأما الخطوة الثالثة، فأن تكون تقارير المسؤولية المجتمعية جزءاً لا يتجزأ من العمل، ويتم نشر هذه التقارير الإعلامية ضمن تقرير الشركة السنوي، وتنشر على مواقع الشركة على الإنترنت، وشبكات التواصل، مع الحرص على مشاركة الملاك، وأعضاء مجالس الإدارة، وفريق العمل، ومسئولي القطاع الحكومي في الاطلاع على تلك التقارير، بما يعني تقدير تلك الجهود، ومعرفتها، دون مبالغة أو تضخيم، حيث لا تصنف أعمال المسؤولية المجتمعية ضمن أعمال "الإحسان الفردي" التي يحرص أصحابها على إخفائها فلا تعمل شمال المرء ما تنفق يمينه. 

ولعلي أشير هنا إلى ذريعة يتحدث بها البعض بوصفها سبباً في منع قيام الشركات بدورها تجاه المسؤولية المجتمعية، وهي: انشغال الإدارات التنفيذية في الشركات بالعمل الفني التخصصي للشركة، وعدم وجود أقسام أو موارد بشرية مؤهله في مجال المسؤولية المجتمعية، وأرى أنه لا يلزم إطلاقاً أن يكون لدى كل شركة من الشركات قسماً متخصصاً في ذلك، ولا أن توظف فريق عمل داخلي لهذه المهمة، فهو انشغال بموضوع خارج تخصصها – غالباً – .

و الحل المنطقي والأكثر فعالية وواقعية يكمن في "التعهيد" للغير، فتتعاقد الشركات مع بيوت خبرة متخصصة - ربحية كانت أو غير ربحية-، تستهدف بكل وضوح تحقيق الأثر الفاعل في المجتمع، وتقوم بإجراء الدراسات الكافية لاحتياجات المجتمع، لتحديد الفرص الأولى بالعناية وفق كل مجال، وتعرض تلك الفرص على الشركات بكل شفافية ووضوح، محددة فيها تكلفة المشروع الفعلية، ونسبة الأرباح المنطقية التي يأخذها بيت الخبرة مقابل دوره في بناء المشروع، ومتابعة تنفيذه، ويمكن أن يشترط على بيت الخبرة أن لا يقوم بنفسه بالتنفيذ على الإطلاق ليمارس دوره الحقيقي في القياس والمتابعة والتوجيه.    

  إن وجود بيوت الخبرة هذه، والتزامها بالتميز والجودة في عملها، وقوة المتابعة، واحترافية التقارير، من شأنها أن تدفع الشركات للانطلاق في مسيرة المسؤولية المجتمعية بشكل أكبر، وهي خطوة فعلية في تذليل الصعوبات، وإزالة العقبات، وتحقيق النجاحات، بما يفتح الباب لكثير من الشركات للتحرك الإيجابي في هذا المجال بسبب "عدوى النجاح".

وكلّي أمل بمستقبل مشرق لقطاع المسؤولية المجتمعية في وطني، ليكون أنموذجاً يحتذى إقليمياً وعالمياً، فنحن أهل الإحسان من قبل ومن بعد، ووطننا جدير بهذا التميز الذي يستحقه، خصوصاً حين ندرك أن رؤية السعودية 2030 حرصت على ان تدفع المجتمع نحو النجاح في أكثر من مجال، وجعلت من ضمن أهدافها الاستراتيجية: ( تعزيز قيام الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية)..

دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن

22 ذو الحجة 1445 هـ

الرياض حرسها الله


يونيو 21, 2024

مشكلة الاعتياد على النعم

أحد مشكلاتنا المنتشرة على نطاق واسع، و لا نشعر بها: أننا نعتاد على الشيء، فنفقد لذته وطعمه وميزته، ويقل عندنا استشعار النعمة المتحققة من خلاله.

فنحن نأكل الزاد في اليوم مرتين او ثلاثا، و نأكل أثناء اليوم وجبات أخرى متفرقة، ونشرب أنواع المشروبات، ويقضي الواحد منا حاجته بيسر، وينام، ويجد مسكنا يظله عن المطر والهواء و البرد، ويلقى أهله وأصحابه..
ومع ذلك تجد بعضهم تعيسا وحزينا ومكتئبا، شاعرا بعدم السعادة، ينظر للآخرين معتبرا إياهم سعداء بينما هو مسلوب من هذه النعمة، مع أنه في الواقع يملك أنواعا من السعادات التي لا تحصى، غير أنه اعتادها!.وهاهنا سؤال مهم: متى يشعر الواحد بهذه النعم، وبهذه السعادة؟

والجواب: أن عظيم الاستشعار للنعمة إنما يكون حينما يتم افتقادها!.
حيث يدرك المرء حينها أن هذا الشيء الذي كان يعتبر يسيرا واعتياديا ويوميا هو شيء عظيم للغاية.

أرأيت نعمة القدرة على تناول الشراب أو الطعام والتي تبدو اعتيادية ولا يشعر المرء بأهميتها، تأمل في هذه النعمة حينما تزور المستشفى، وترى مريضا يتم إدخال الطعام إلى جسده من خلال أنبوب يدخل في بطنه مباشرة على هيئة سوائل مركزة، حيث لايمكنه أن يأكل الطعام بشكل مباشر، حينها سندرك أن مجرد تناول خبزة قيمتها ربع ريال، وأكلها، ومضغها وابتلاعها بكل سهولة ويسر هي بحد ذاتها نعمة.

والأمر نفسه حين تتأمل في قدرتك على القيام من سريرك ومن مكان جلوسك بنفسك، وقدرتك على الوقوف على قدميك، والتحرك من مكان إلى آخر، وتقارن ذلك بالعاجزين عن هذه الأفعال بسبب المرض أو الحوادث، حينها ستدرك عظيم هذه النعمة.

وحينما تبصر طريقك وأنت تمشي، وترى كل شيء أمامك فأنت في نعمة، وحين تسمع الأصوات المحيطة بك، فأنت في نعمة، وحين تشمّ الروائح فأنت في نعمة..

ولذا لايصح أن أقول أن كل واحد منا يتمتع بمئات النعم بل بآلاف النعم التي يتقلب فيها ليلا ونهارا، لكننا جميعا اعتدنا عليها، وألفناها، فبتنا لا نشعر بأهميتها وللأسف الشديد!.

وأختم حديثي هذا بالوصية لنفسي ولك:
أعد النظر في النعم التي تتمتع بها، وتأملها، واستشعرها، وستدرك الحاجة الماسة للإكثار من حمد الله عزوجل وشكره عليها، ثم ستحسّ بالسعادة تغشاك من جراء هذا الاستشعار المتكرر للنعم المتتالية، "ولئن شكرتم لأزيدنكم".

دمتم بخير.

مايو 27, 2024

العدالة في تقديم الخدمات للفقراء

يقوم الأفراد، ورجال الأعمال، والمؤسسات والجمعيات الخيرية، والجهات الحكومية في بلادنا المباركة بجهود كبيرة، وأعمال ومشروعات كثيرة، من أجل تخفيف الفقر، وتحسين أوضاع الفقراء، وتتنوع هذه الجهود وتتوزع جغرافياً ونوعياً لتشمل شريحة كبيرة من هؤلاء المحتاجين.

وهي أعمال مباركة تستحق أن تذكر فتشكر، وهي من أبواب الخير والإحسان التي بها تعظم الحسنات، وتندفع بها المصائب والبليّات، كما قال صلى الله عليه وسلم (صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ)، وحديث (إنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بضُعفائِكُم).
وحديثي هنا ليس عن أبواب الخير الكثيرة التي يمكن العمل عليها في مجال تخفيف الفقر ومساعدة المحتاجين، فذلك باب واسع ومتنوع، والناس في ذلك عاملون، وإنما أريد الحديث هنا عن أهمية السعي (المتوازن) لتقديم تلك الخدمات بشكل يضمن العدالة وحسن التوزيع للمال الخيري على المحتاجين إليه.

ودافعي لذلك ما أراه من تفاوت كبير في المشروعات الموجهة لهذه الشريحة المحتاجة، حيث يعمل بعضها في مجال الضروريات، ويعمل الآخر في مجال التحسينات والكماليات التي لا أولوية لها، رغم وجود المحتاجين حاجة ماسة لما هو أهم.

والذي يحدث من جراء عدم الاتزان هذا، أن يطال بعض الأفراد ألوان من الإحسان التكميلي، ويفتقر آخرون إلى أهم الأساسيات.

وفي حديث مع أحد المعنيين بترميم منازل الفقراء -على سبيل المثال-، كان السؤال الموجه إليه: لماذا يتم تحسين المنزل بهذه الصورة المتكاملة، فيتم إعادة تبليط كامل المنزل، ويتم إعادة دهاناته من الداخل والخارج ، وتغيير كامل إضاءاته وأبوابه حتى يغدو جديداً فعلياً، بينما تبقى بيوت فقراء آخرين لا يحميهم السقف المؤقت من المطر، ولا تعمل لديهم الكهرباء إلا في غرفة أو غرفتين، بل هي لا تعمل إطلاقاً عند آخرين، ويعاني فقراء آخرين من عدم توافر المياه الصالحة للشرب!، فكيف تقدّم خدمة متكاملة لأقوام، ويحرم منها آخرون؟
وكان رد القائم على العمل بأن مهمتنا هي السعي لتوفير الحياة الكريمة اللائقة لهؤلاء المحتاجين، وهو هدف رائع ونبيل، غير أن توفير ذلك للبعض، وإبقاء البعض بحالة مأساوية ليس تصرفاً رشيدا – على الأقل من وجهة نظري- فالجميع من أهل الاحتياج.

وهنا أتساءل:
أليس من الأولى أن يتم تقديم الخدمات على المستوى (المتوسط) لجميع الشريحة المستهدفة، بدلاً من أن يطال بعضهم مستويات (رائعة) من الخدمة، ويبقى آخرون بانتظار توفر الدعم الكافي لتقديم تلك الخدمة الرائعة التي قد تأتي، وقد لا تأتي.

إن من المفترض أن يكون تقديم الخدمات وفق أهمية الخدمة لا اكتمال الخدمات، كأن يتم التأكد من وصول المياه الصالحة للشرب للجميع، ثم حماية منازل جميع الفقراء من المطر والغبار، ثم التأكد من وصول الكهرباء وتوفير الأجهزة الرئيسية للجميع، ثم صلاحية دورات المياه للاستخدام الصحي، وهكذا.

والترتيب المشار إليه غير مقصود بذاته، لكنني عنيت أن يوجد ما يشابه المعايير المتفق عليها والمرتبة وفق الأهمية لتحقيق جودة الحياة، بحيث تحرص الجمعية على الوفاء بكل معيار على حدة لجميع المستفيدين قبل الانتقال للخدمة والمعيار الذي يليه، بما يضمن تحسين المستوى المعيشي، وجودة الحياة بشكل تدريجي ومتوازن لجميع الشريحة المستهدفة.

وفي ظني أن ذلك الترتيب والمعايرة أمر جليل، وهو عمل وفق الأولويات، كما أنه يحقق المصلحة للفقير، وللمتبرع، وللقائم على العمل في الجمعية الخيرية، وللمجتمع برمته، وهو محتاج لنفر من المختصين والباحثين الذين يمكنهم التوصل بعد التشاور والاستماع لأهل الخبرة من الوصول إلى تلك الأولويات.

سائلاً الله تعالى أن يدلنا على الصواب، ويجعلنا موفقين مسددين، وأن يصلح لنا النوايا والعمل.

دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن
ذو القعدة 1445هـ

مايو 07, 2024

قوة الأدوات البسيطة

يتوقع البعض أن إحداث التغيير الشخصي أو المجتمعي مشروط ومرتبط -دوماً- بالإمكانيات الضخمة، والأدوات الكبيرة، بل وربما التكلفة العالية، والعدد الكبير من الناس..  

وأنا -وإن كنت لا أقلل من تأثير تلك الأمور في ما يتعلق بالتغيير- أعتقد بأننا نستخدم هذا الأمروهذه الحجة في الكثير من الأحيان باعتباره (حيلة نفسية) حيث توهمنا بأن الأمور أكبر من قدراتنا، وأنها تحتاج إلى أضعاف مقدراتنا، الأمر الذي يصيبنا بالعجز والإحباط، فنبرر لأنفسنا السلبية، وترك العمل، ونعتاد القبول بأقل النتائج، تحت ذريعة أننا لا نملك ما يكفي لإطلاق التغييرات الكبرى، في أنفسنا وأهلينا ومجتمعاتنا، فننكص، ونتخاذل، وربما تواصينا بذلك، وجعلناه جزءاً من أدبياتنا المتداولة في مجالسنا.

وحين نتكلم عن إصلاح المجتمع وتوجيهه – على سبيل المثال- في أي جانب من الجوانب(الاجتماعية، أو الصحية، أو النفسية، أو التعليمية،أو غيرها ) فيجب أن لا نتوقع أن يكون ذلك محصوراً في المشاريع المكلّفة بالضرورة، بل قد يكون باستغلال وتوظيف أيسر الأشياء وأصغرها وأكثرها اعتياداً.

ولكي أضع مثالاً عملياً، فإنني أشير إلى (خطبة الجمعة) والتي ينبغي التساؤل عن الكيفية الصحيحة  لتفعيلها لتكون أكثر فاعلية، وتأثيراً، وخدمة للمصلين فيما يحتاجون إليه، ودلالتهم على الخير، وبيان أوجهه، حيث يمكنها أن تُّحدث أعظم الأثر في الوعي ونشر المعرفة،  إذ أن في هذا الحديث الأسبوعي المنتظم (خطبة الجمعة) من المزايا ما ليس في غيرها من التقنيات الحديثة، والأساليب العصرية، فهي رغم اعتيادنا عليها تتميز بمزايا: أولها الاستمرارية، ولا يمكن أن تتوقف لتغير التقنيات أو تطور الوسائل، أو غيرها، وهي - ثانياً - مما يجب على الجميع حضوره، والإنصات للخطيب، ويحرم على الجميع الحديث أو العبث أثناء وقت الخطبة، وهي مميزات لا تتوفر لأي وسيلة إعلامية أخرى مهما عظمت وكبرت!، كما أنها من الشعائر التي تلتزم بها أكثر المجتمعات المسلمة، وتهتم بها، حتى وإن قَصَرَت في أركان وشعائر أخرى.

إن التأمل في سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدرك أنه لم تكن لديهم وسائل استثنائية، غير أنهم يبذلون غاية في الوسع في حدود الممكن، وقد قال الله تعالى على لسان نبيه نوح عليه الصلاة والسلام ( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا) وقال (ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغشى أسواق قريش وتجمعاتها لينشر دعوته في العالمين، حسب المتاح والممكن، وبدأ بالنطاق الأيسر والمتاح ( وأنذر عشيرتك الأقربين).

وما أريد أن أصل إليه هنا هو أن المطلوب من كل واحد منا أن يقوم بما يمكنه في خدمة مجتمعه، ودينه، ونفسه، وأن يسعى بالوسائل المتاحة، وبهذا يرفع الحرج والإثم عن نفسه، ويكون حينها من المصلحين (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون).

تأمل في واقعك القريب، وتأمل في قدراتك ومواهبك وإمكانياتك، ثم انطلق نحو تحقيق أهدافك السامية، وتوكل على الله، وإذا حسنت النوايا؛ حلت البركة، والنفع، والتأثير من حيث لا تحتسب.

دمتم بخير ،،،


محمد بن سعد العوشن

الرياض حرسها الله

28 – 10 – 1445  هـ


أبريل 21, 2024

الدوائر الثلاث في الحياة | المحيميد

يعيش الواحد منا في أحد ثلاث دوائر، ومن المهم معرفة كل دائرة منها، والأسلوب الأمثل للتعامل معها، بهدف تحقيق الأثر الأكبر في الحياة، وبعد الممات.

الدائرة الأولى: دائرة الاهتمام

وهي حديثك ونقاشك وتفاعلك في الأمور الخارجة عن سيطرتك، ولا تأثير لك فيها، والتي يتسبب الانشغال بها افي إهدار الكثير من الأوقات وزيادة الضغوط النفسية، بالإضافة إلى كثرة الاختلافات، وتوتر العلاقات، وكثرة النقاشات، وهي دائرة جدلية بيزنطية غير مباركة، وتسمى أحيانا بـ (دائرة القلق)، وقد روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال).

ومن الأمثلة على ذلك:

* كثرة الدخول في الماجريات ومتابعة الأخبار والأحداث والوقائع.

* المبالغة في نقد الحكومات والوزارات والجهات.

* إطالة المرؤوس في نقد الأنظمة والمديرين وأسلوب العمل. 

* المبالغة في التحليلات العميقة.

* المبالغة في نقد الواقع وتقييمه.

أما النتيجة: فإن نسبة التأثير الناتجة عن إمضاء الوقت في ذلك قليلة جداً إن لم تكن معدومة، وربما استخدم المرء تلك الأوقات، والأحاديث لمجرد التنفيس، أو كمبرر وحيلة نفسية للتوقف عن العمل والإنجاز تذرعاً بها.

والحقيقة أنه ليست هناك مشكلة في أن تأخذ هذه الدائرة حيزاً يسيراً في حياتك، فالإنسان مدني بطبعه - كما يقول ابن خلدون- فإذا بالغت وأعطيتها وقتاً أطول، فقد وقعت في فخ (التأثير الوهمي)، فيصدق فيك حينها شطر المتنبي: "وتعظم في عين الصغير صغارها"، وقول الآخر "أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل * ما هكذا يا سعد تورد الإبل"، فالقادة يقضون أوقاتهم بالتغيير والتصحيح والإصلاح، ولا ينشغلون بالصراخ في وجه الأخطاء والتجاوزات، ويستثنى من ذلك من يقوم بفروض الكفايات لنشر الوعي الضروري.

أما الدائرة الثانية، فهي: دائرة التأثير

وهي الموضوعات والأشخاص والأحداث التي يمكنك التأثير عليه -مهما اتسعت دائرة التأثير-، وهي دائرة عملية مباركة يؤمن فيها المسلم أنه لديه القدرة على التغيير في عالمه أو العالم الذي حوله، وتسعى بالمسلم إلى تفويت الفرصة على النفس الكسولة التي تريد أن تتحدث وتتحدث عن الهموم والمشكلات، لكنها تتقن فن التهرب من المسئوليات.

ومن الأمثلة على ذلك:

* مهنتك الوظيفية.

* تخصصك الفني.

* أسرتك.

* مشروعك التجاري.

وأما الدائرة الثالثة، فهي: دائرة التركيز

وهي قمة نتاج الإنسان، وتأثيره، ودوره، وذلك بأن ينتقل المسلم من دائرة التأثير العام إلى باب يفتحه الله عليه، فربما يكون ممن يجدد في أحد أبواب هذا الدين العظيم، أو مجال من مجالاته، وربما يكفي الناس أحد فروض الكفايات، وهي أشرف من فروض الأعيان -كما ذكر إمام الحرمين في الغياث-.

وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:(من بورك له في شيء فليلزمه)،فإذا عمل الإنسان عملا ورأى فيه البركة والثمرة فليلزمه، ولهذا لما كتب العابد عبد الله العُمري إلى الإمام مالك يحثه على الانفراد والعمل الصالح وترك مجالسة الناس، رد عليه الإمام مالك بقوله: (إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فُتح له في الصلاة، ولم يُفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشْر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فُتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر) 

كما قال الشاعر : "وكن رجلاً إن أتوا بعده * يقولون مرّ، وهذا الأثر"

ومن الأمثلة على ذلك:

أن دائرة تركيز ابن عباس رضي الله عنه، وبصمته الباقية حتى يومنا هذا هي: تفسيره لكلام الله.

وبصمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت في نقل الإرث النبوي وكلام المصطفى صلى الله عليه وسلم للأمة.

وبصمة خالد بن الوليد رضي الله عنه في قيادة المعارك العسكرية، وتحقيق الانتصارات لهذا الدين.

وبصمة الأئمة الأربعة رحمهم الله كانت في تيسير الفقه ونشره وتعليمه للناس وتقريبه إليهم.

وبصمة الإمام البخاري رحمه الله، في جمع ونشر السنة النبوية الثابتة والصحيحة وفق أعلى معايير التحقق والدقة.

وبصمة أبي جعفر المنصور في تأسيس دولة إسلامية بقيت تحكم وتنشر الدين لما يزيد عن خمسة قرون.

وبصمة فاطمة الفهرية في تأسيس أول جامعة، وتخريج الأئمة وعلى رأسهم "ابن خلدون"

وبصمة الإمام ابن حجر العسقلاني في شرح وإيضاح مفردات ومعاني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وخصوصاً في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري.

وبصمة الإمام ابن باز رحمه الله في بناء العلماء، والدعاة، والعمل المستمر في خدمة الدين، وتقديم مئات الآلاف من الفتاوى الرصينة.

وبصمة الإمام الألباني رحمه الله في تنقية مرويات السنة النبوية، وتدقيقها، وتصحيحها، وإبعاد الدخيل عليها من خلال منهجية علمية رصينة، وعمل دؤوب.

وبصمة د.عبدالرحمن السميط رحمه الله في دعوة الأفارقة إلى دين الإسلام، ليسلم على يديه ١١ مليون في أفريقيا، ويستمر العمل بعد وفاته محدثاً أعظم الأثر.

وبصمة الشيخ أحمد ديدات رحمه الله في تأسيس مدرسة تجديدية مميزة، في مناظرة النصارى، ومحاججتهم.

وبصمة الملك عبدالعزيز رحمه الله في تأسيس هذا الكيان المترامي الأطراف، والمستقر، والفاعل في العالم بأسره، والذي يتولى الإشراف على المقدسات الإسلامية وخدمتها وخدمة قاصديها.

ودائرة التركيز تتطلب من القائد أن يسأل نفسه سؤالاً مركزياً جذرياً: 

ماذا عنّي؟ لماذا جئت للحياة؟ وماهي البصمة التي سأتركها بعد الرحيل ليستمر أجرها وأثرها؟

أيها القادة المباركون:

الأعمار قصيرة، فلا تضيعوها في (دائرة الاهتمام)، بل استثمروا كل يوم فيها في (دائرة التركيز)، فهي دائرة الامتياز، وهي من أعظم الأسباب لبقاء الأثر بعد الموت، و ليكن هدف الواحد منا: (أن أعيش بعد وفاتي ٢٠٠ عاماً).

ليصدق فيك شطر المتنبي: وتصغر في عين العظيم العظائم

ولو أردت أن أطرح عليك توزيعاً مقترحاً لوقتك وجهدك في الدوائر الثلاث، فيمكنني أن أقول:

ما لا يزيد عن ١٠٪؜ في (دائرة الاهتمام).

ما بين ٣٠-٤٠٪؜ في (دائرة التأثير).

ما بين ٤٠- ٦٠٪؜ في (دائرة التركيز).

أسأل الله تعالى أن يفتح لنا من فتوحاته، وأن يجعلنا مباركين، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يبقي أثرنا بعد الرحيل.


بقلم :  د.صالح المحيميد

__________________

د. صالح المحيميد: حاصل على الدكتوراه في تنمية القيادات من جامعة إدنبرة. وبرنامج القيادة التنفيذية من جامعة أكسفورد. عضو مؤسس لجمعية البحث العلمي والابتكار، مدرب، وخبير، ومؤلف، ومتحدث في شأن (القيادة).

أبريل 03, 2024

وقفة تأمل على ضفاف الشلال

ما أجمل أن تنتزع نفسك من زحام الأعمال، وتبعدها عن الناس حيناً من الدهر، تخلو بنفسك من دون جوال أو تلفاز أو مذياع، تلتقي في هذه الخلوة بأوجه جديدة وأماكن جديدة ومأكولات جديدة، وتعيش فيه مشاعر جديدة كذلك..

تحتاج بين حين وآخر إلى خلوة تهدأ فيها روحك، وتسكن فيها نفسك، وتراجع فيها شأنك كله ولا يحصل ذلك الصفاء المنشور إلا بالتوقف عن الحركة المعتادة، حتى إذا خرجت من دوراتك الاعتيادية، وبقيت خارج تتابع أحداث الحياة اليومية.. اتضحت لك حينها الأمور..

وكأنها فترة سكون لتهدأ الريح ويهبط الغبار، فتكون الأشياء أكثر جلاء واتضاحاً، وحينها تدرك حجم الأشياء كما هي، وتعلم أين كنت تضع أولوياتك، وهل كانت تستحق الجهد والاهتمام الذي تعطيه إياها.. 

ومع هذا السكون ستشعر أن هناك أموراً مهملة وهي ذات أولوية ولكنها غير ملحة، مما جعلك في الكثير من الأحايين تلجأ إلى تأجيلها وتسويفها وإعطائها فضول الأوقات مع أنها الأولى بالرعاية والاهتمام..

وهذا الصفاء لا يحصل بكثرة التنقل والحركة، بل بالسكون والهدوء والتأمل.. 

دمتم بخير

27- 5 -1441


أبريل 03, 2024

خمس وساوس عن التدوين!

يمتنع كثير من القادرين عن تدوين خبراتهم لأنهم يخضعون لمجموعة من الوساوس والأوهام المعيقة التي تسيطر عليهم وتجعهم غير مبادرين لذلك..

ومن تلك الوساوس والأوهام..

(1) وهم (عدم القدرة على الكتابة)، والتوهم بالحاجة إلى قدرات معينة لأجل احتراف التدوين وهي حجة داحضة، ذلك أن كثيراً من أولئك يكتب هنا وهناك، وقد تعلم القراءة والكتابة ودرس واختبر وكتب بحوثاً متنوعة، فالقدرة من حيث الأصل موجودة دون ريب.

كما أن الاتقان أمر يحتاج إلى مران مستمر، ومحاولات دؤوبة، ولا يأتي هكذا عبر الأمنيات كما أن التأجيل لا يجلب الخبرة، بل يضعفها.

فإذا كنت لا تتقن الكتابة فهذا يوجب عليك البدء الآن وفوراً بالكتابة، وفي كل مرة تكتب فإنك تنجح شيئاً فشيئاً.

(2) وهم (عدم وجود الوقت الكافي لتدوين الخبرات) وهذه وسوسة أضعف من أختها، فليس هناك إشكال في موضوع الوقت لدى كل الناس، إنما الأمر يعتمد على الأولوية التي تضعها لهذا الشيء أو ذاك، ولو أن أحدنا قام بكتابة وتسجيل وقته لمدة 3 أيام فقط لوجد أن ثمة ساعات طوال تصرف في غير طائل وتذهب في صغائر الأمور وفضولها، وسيجد أن الجوال الذكي وشبكات التواصل على اختلافها تأخذ من وقته واهتمامه جزءاً غير يسير، يكون فيها غالباً في موضع المتفرج والقارئ والمطلع على نتاج الآخرين وحياتهم ومشكلاتهم.

ولو مرض الواحد منا ولزم الفراش أياماً لترك كثيراً من الأعمال والمهام التي تأخذ وقته، كما أن جملة من تلك الأعمال التي تستغرق الوقت هي من الأعمال ذات الإنتاجية الأقل، فضلاً عن الوقت الكثير الذي يمضي في العلاقات الاجتماعية والأحاديث الجانبية، والزيارات المتنوعة.

(3) وهم (عدم وجود شيء مهم يمكن تقديمه للناس)، وهي وسوسة معتادة من ظلم النفس وعدم معرفة قدرها، والجواب عليها يسير جداً، ذلك أن المطالبة بالتدوين ليست مطالبة بالكتابة في كل فن، وعن كل شيء، بل عما تعرفه جيداً، وما منا من أحد إلا ولديه معارف تميز فيها، وخبرات أتقنها، وتجارب نجح أو فشل فيها.. ذلك أن التدوين ليس عن النجاحات فحسب بل عن الإخفاقات التي أدركها الواحد منا، وعرف أسبابها فهو يكتب للآخرين ليخبرهم أن هذا طريق غير سالك، فيختصر من أوقاتهم وأعمارهم الكثير ويريحهم من عناء التجربة مرة أخرى، وكم تعلمنا من الذين حكوا لنا عن اخفاقاتهم في كثير من الأمور وصغيرها فالتدوين هو كتابة التجارب، ونقلها للآخرين بهدف إثرائهم، وتعليمهم، وإرشادهم.

(4) وهم ( تعريض النفس للنقد)، وهذه الوسوسة قائمة على معلومات خاطئة أولها أن هذه التدوينة ستبلغ الآفاق فور نشرها، وأنها ستكون بين أيدي كل الناس حين نكتبها، والأمر ليس كذلك حيث سيطلع عليها في البداية عدد قليل، وستقوم أنت باختيار الأشخاص الذي ترسل إليهم، والمعلومة الخاطئة الثانية هي توقع أن الناس جالسون على طاولة المحاكمة يترقبون هذه التدوينة لكي ينتقدوها ويهاجموها ويبحثون عن مشاكلها وتجاوزاتها، وثالثها أن المدون افترض في نفسه أنه يجب ألا يقع في الخطأ، وأنه لا يكتب إلا صواباً خالصاً، والجواب عن هذه الوسوسة أن يدرك الواحد منا أنه حيث يبدأ في الكتابة فسيكون نطاق الاطلاع على تدوينته محدوداً لأن التدوين شيء، و النشر شيء آخر تماما فما تنشره سيصل لبعض المعنيين وستصلك -حتماً- رسائل تبارك جهدك وتشكر سعيك، وستصلك رسائل تقترح عليك الزيادة، أو تقترح عليك تناول جزء لم تتناوله تدوينتك، وتسألك عن بعض ما ورد عليهم من إشكالات تحتاج إيضاحاً، وقد يصلك بعض النقد غير البناء الذي يفترض أن لا يكون عائقاً، ولا يدفعك المعارضون لترك الخير لأجلهم.

وحين اتحدث عن التدوين والنشر الالكتروني فإنني أتحدث عن وسيلة تقنية تتيح لك حجب المقال بعد نشره إن بدا لك أنه من خلال النقد يحتاج إلى تغيير أو تعديل أو تم فهمه على غير وجهه، ولا يستغرق حجب المقال أو حذفه سوى بضع ثوان لا غير.

كما أنك قادر من خلال تقنيات النشر الالكتروني على أن تجري تعديلات على ما سبق نشره سواء كانت تلك التعديلات قليلة أم كثيرة، وسواء تم التعديل مرة واحدة أو مرات عديدة.

ومن تجربتي الشخصية في هذا المجال فإنني قد قمت بتغييرات وتعديلات وتطويل وتقصير وحذف وإضافة لما قمت بنشره مالا أحصي من المرات سواء كان ذلك من جراء نقد الآخرين وتصويبهم أو لأنني حيث أعدت قراءة التدوينة وجدت أن هذا الأمر أو الأسلوب غير مناسب، ولنتذكر دوماً أن الكتابة عمل بشري يعتريه النقص، وكما قال عبدالرحيم البيساني وهو يعتذر إلى العماد الأصفهاني عن كلام استدركه عليه: " إنه قد وقع لي شيء وما أدري أوقع لك أم لا؟ وها أنا أخبرك به وذلك إني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتاباً في يومهِ إلا قال في غَدِهِ: لوُ ُغَّيرَ هذا لكان أحسن ولو زيد هذا لكان يُستحَسن ولو قُدَّم هذا لكان أفضل ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".

(5) وهم (عدم المعرفة بكيفية النشر الالكتروني)، وهي وسوسة أيسر من أخواتها، فإذا لم يبق لديك سوى هذه فإني كفيل بإقناعك أنها عقبة بسيطة جداً، ذلك أن شركة جوجل قد أتاحت لك إنشاء مدونتك الالكترونية بخطوات سريعة جداً وهي أسرع في إنشاءها من البريد الالكتروني حيث لا يتطلب الأمر سوى الدخول إلى جوجل ثم كتابة Blogger حيث تفتح الرابط وتحدد اسم المدونة بالعربي والإنجليزي بحيث لا يكون الاسم محجوزاً من قبل، ثم اختيار أحد التصاميم المتاحة من جوجل بشكل جاهز، ثم كتابة التدوينة الأولى، واختيار زر النشر لتصبح مقالتك متاحة على الانترنت بكل سهولة ويسر. 

ويأتي بعدها دورك في نسخ الرابط ثم ارساله للمعنيين الذين سيقرؤونه ثم يوافونك بمرئياتهم وبهذه السهولة يمكنك التعديل والحذف والإضافة، ومع مرور الأيام، والاستمرار في النشر، ستبدأ في تطوير المدونة، وتعديل شكلها، ومعرفة إحصائياتها، وإتاحة التعليقات عليها، ونحوها من المهارات الإضافية.

أرجو أن أكون بتدوينتي هذه قد ساهمت في إزالة تلك الوساوس والأوهام، وأن أكون قد فتحت أمامك بصيص أمل نحو الشروع في التدوين، ونقل خبرتك، وضمان استمرار الإرث الذي يبقى بعد رحيلك.

دمت بخير ،،

محمد بن سعد العوشن


كتبتها لأول مرة في 25-5-1441